للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي مثل تلك الآية (وَقَالَ: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ}) قال النسفيّ: تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، واللَّه تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع؟ لحكمة رآها، وهو معنى قوله ({وَاللَّهُ أَعْلَمُ بمَا يُنَزلُ}) قرئ في السبع بالتشديد والتخفيف (١).

الآيًةَ، وَقَالَ: ({يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ}) أي بنسخ ما يشاء نسخه (وَيُثْبِتُ) من الإثبات، وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة يثبّت، بالتشديد، من التثبيت. أي يثبت بدله ما يشاء، أو يتركه غير منسوخ، أو يمحو من ديوان الحفظة ما يشاء، ويُثبت غيره. أو يمحو كفر التائبين، ويُثبت إيمانهم. أو يميت من حان أجله، وعكسه ({وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}) أي أصل كلّ كتاب، وهو اللوح المحفوظ؛ لأن كلّ كائن مكتوب فيه (٢).

والغرض من سوق ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - من سوق هذه الآيات الثلاث إثبات النسخ في كتاب اللَّه تعالى، وهو مجمع عليه عند المسلمين، وإنما خالف فيه اليهود، بعضهم في الجواز، وبعضهم في الوقوع، وسماه أبو مسلم الأصفهانيّ من المعتزلة تخصيصًا، وهذا خلاف في التسمية، لا في المعنى، وإلى هذا أشار في "الكوكب الساطع" بقوله:

النَّسْخُ عِنْدَ الْمُسْلِمينَ وَاقِعُ … وَقَائِلُ التَّخْصِيصِ لَا يُنَازعُ

(فَأَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ القُرآنِ الْقِبلَةُ) أي التوجّه في الصلاة إلى بيت المقدس بافتراض التوجّه إلى الكعبة، على الصحيح، أو بالعكس، إن قلنا: إن النسخ في القبلة كان مرَّتين، كما قيل. وعلى الوجهين كون هذا منسوخًا من القرآن، يقتضي أن له ذكرًا في القرآن، وهو غير ظاهر، إلا أن يقال: كان في القرآن إلا أنه نُسخ حكمًا، وتلاوةً، أو نقول: المراد بالقرآن الوحي والحكم مطلقًا.

ويحتمل أن يقرأ قوله: فأول ما نسخ على بناء الفاعل، وُيراد بالقبلة افتراض التوجّه إلى الكعبة، فيصحّ بلا تأويل. واللَّه تعالى أعلم. قاله السنديّ.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أنه لا داعي إلى هذه التأويلات الباردة، ولا سيما الأخير، فإنه تعسّف بعيد، بل المعنى واضحٌ، وذلك أن اللَّه تعالى قال في كتابه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية، وغيرها من الآيات التي توجب اتباعه - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما أتى به، ومن جملة ما دخل فيها استقبال القبلة، ثم لما نُسخ، نسخ الأمر بالاتباع المذكور في الآية. فتأمل، واللَّه تعالى أعلم.

(وَقَالَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} التربّص: الانتظار، أي لينتظرن. قال


(١) "تفسير النسفيّ" ٢/ ٢٩٩.
(٢) "تفسير النسفي" ٢/ ٢٥٢.