النسفيّ -رحمه اللَّه تعالى-: خبر في معنى الأمر، وأصل الكلام: ولتتربّص المطلّقات، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر، وإشعار بأنه مما يجب أن يُتلقّى بالمسارعة إلى امتثاله، فكأنهنّ امتثلن الأمر بالتربّص، فهو يخبر عنه موجودًا، ونحوه قولهم في الدعاء: رحمك اللَّه، أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة، كأنما وُجدت الرحمة، فهو يُخبر عنها. وبناؤه على المبتدأ مما زاده أيضًا فضل تأكيد؛ لأن الجملة الاسميّة تدلّ على الدوام والثبات، بخلاف الفعليّة. وفي ذكر الأنفس تهييج لهنّ على التربّص، وزيادة بعث؛ لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهنّ، ويغلبنها على الطموح، ويُجبِرنها على التربّص.
{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} جمع قرء بالفتح، كفلس وفُلوس، وبالضمّ، ويجمع على أقراء، كقفل وأقفال. وقد اختلف فيه، هل هو الحيض، أم الطهر على قولين، سيأتي تمام البحث فيه في -٧٤/ ٣٥٦٥ - "الأقراء"، إن شاء اللَّه تعالى.
(وَقَالَ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ}) أي أشكل عليكم حكمهنّ، وجهلتم كيف يعتددن ({فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}) أي فهذا حكمهنّ (فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ) بالبناء للمفعول، والضمير النائب يعود إلى ما دلّت عليه هذه الآية، واسم الإشارة يعود إلى ما دلت عليه الآية الأولى، يعني أنه نُسخ ما دلّت عليه هذه الآية، وهو كون العدّة بالأشهر من عموم ما دلّت عليه الآية الأولى، وهو كون المطلّقة تعتدّ بثلاثة قروء.
وقال السنديّ: أي الكلام الثاني نَسَخَ من الكلام الأول بعضَ صور المطلّقات، وهي صور الإياس، وأوجب فيها ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء (قَالَ تَعَالَى) ناسخًا من الأول بعض الصور أيضًا، وهي ما إذا كان الطلاق قبل الدخول، فلا عدّة عليها هناك أصلاً ({وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}) أي تجامعوهنّ ({فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ}) قال النسفيّ: فيه دليلٌ على أن العدّة تجب على النساء للرجال (١)({تَعْتَدُّونَهَا}) افتعال، من العدّ، أي تستوفون عددها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه: