أخرجه هنا-٥٤/ ٣٥٢٦ و٧٥/ ٣٥٨١ - وفي "الكبرى" ٥٦/ ٥٧٠٤ وأخرجه (د) في "الطلاق" ٢١٩٥ و ٢٢٨٢. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان ما نسخ من عدّة بعض النساء، من آية المطلّقات. (ومنها): بيان مشروعيّة النسخ، وأن للَّه تعالى فيه حكمة عظيمةً، كما أوضح ذلك بقوله:{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. (ومنها): أن فيه نسخ الكتاب بالكتاب، وهو نوع من أنواع النسخ الأربعة: نسخ الكتاب بالكتاب، ونسخ السنة بالسنة، ونسخ الكتاب بالسنة، ونسخ السنة بالكتاب.
ثم المختار جواز نسخ بعض القرآن تلاوة وحكمًا، أو تلاوة فقط، أو حكمًا فقط.
(ومنها): أن عدّة المطلّقات ذوات الحيض ثلاثة قروء، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك؟ لقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الآية، وإنما الخلاف بينهم في معنى القرء، إذ يطلق في كلام العرب على الحيض والطهر جميعًا، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في موضعه، إن شاء اللَّه تعالى.
(ومنها): أن عدّة الآيسة تكون بالأشهر لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} الآية [الطلاق: ٤]، وهذا أيضًا لا خلاف فيه بين أهل العلم.
(ومنها): أنه لا عدّة على المطِلّقات قبل المسيس؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: ٤٩]، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك أيضًا، وإنما اختلفوا فيمن خلا بها، ثم طلقها قبل المسيس، فذهب أكثرهم إلى أنه تجب العدّة، وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر. وبه قال عروة، وعلي بن الحسين، وعطاء، والزهري، والثوريّ، وأحمد، والأوزاعيّ، وإسحاق، وأصحاب الرأي، والشافعيّ في القديم، وقال الشافعيّ في الجديد: لا عدّة عليها؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} الآية. وهذا نصّ؛ ولأنها مطلّقة لم تُمسّ، فأشبهت من لم يخلُ بها (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى- في الجديد من أنه لا عِدَّة على المطلّقة قبل الدخول، وإن خلا بها هو الظاهر؛ لقوة حجته. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".