للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مدخول بها، وسواء كانت كبيرة، أو صغيرةً، لم تبلغ، وذلك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا يحل لامرأة … " الحديث المذكور في الباب.

[فإن قيل]: ألاّ حملتم الآية على المدخول بها، كما قلتم في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الآية [البقرة: ٢٢٨].

[قلنا]: إنما خصّصنا هذه بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]، ولم يرد تخصيص عدّة الوفاة، ولا أمكن قياسها على المطلقة في التخصيص لوجهين:

[أحدهما]: أن النكاح عقد عمر، فإذا مات انتهى، والشيء إذا انتهى تقرّرت أحكامه، كتقرّر أحكام الصيام بدخول الليل، وأحكام الإجارة بانقضائها، والعدّة من أحكامه.

[الثاني]: أن المطلّقة إذا أتت بولد يُمكن الزوج تكذيبها، ونفيه باللعان، وهذا ممتنعٌ في حقّ الميت، فلا يؤمن أن تأتي بولد، فليحق الميت نسبه، وما له من ينفيه، فاحتطنا بإيجاب العدّة عليها لحفظها عن التصرّف، والمبيت في غير منزلها؛ حفظًا لها. إذا ثبت هذا، فإنه لا يُعتبر وجود الحيض في عدّة الوفاة في قول عامة أهل العلم. وحكي عن مالك أنها إذا كانت حاملًا، مدخولاً بها وجبت أربعة أشهر وعشرٌ فيها حيضة. واتباع الكتاب والسنّة أولى؛ ولأنه لو اعتبر الحيض في حقّها لاعتُبر ثلاثة قروء، كالمطلّقة. وهذا الخلاف يختصّ بذوات القرء، وأما الآيسة، والصغيرة، فلا خلاف فيهما.

وأما الأمة المتوفّى عنها زوجها، فعدّتها شهران وخمسة أيام، في قول عامّة أهل العلم، منهم سعيد بن المسيّب، وعطاء، وسليمان بن يسار، والزهريّ، وقتادة، ومالكٌ، والثوريّ، والشافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وغيرهم، إلا ابن سيرين، فإنه قال: ما أرى عدّة الأمة إلا كعدّة الحرّة؛ إلا أن تكون قد مضت في ذلك سنة، فإن السنّة أحقّ أن تُتّبع، وأخذ بظاهر النصّ وعمومه. واحتجّ الأولون باتفاق الصحابة - رضي اللَّه عنه - على أن عدّة الأمة المطلّقة على النصف من عدّة الحرّة، فكذلك عدّة الوفاة انتهى كلام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قاله ابن سيرين -رحمه اللَّه تعالى- في مسألة عدة الأمة هو الحقّ؛ لظاهر الآية، وعدم دليل يخصّصها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المغني" ١١/ ٢٢٣ - ٢٢٤.