للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

زوجها، وذلك بوضع حملها، وفيه اختلاف بين العلماء سيأتي تحقيقه في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): جواز الإفتاء بحضرة من هو أعلم منه؛ لأن الصحابة - رضي اللَّه عنه - كانوا يُفتون في حياة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومنهم أبو السنابل بن بعكك - رضي اللَّه عنه -، حيث أفتى سبيعة بأنها لا تحلّ بوضع حملها، بل بأربعة أشهر وعشر. (ومنها): أن المفتي إذا كان له ميلٌ إلى شيء، لا ينبغي له أن يُفتي فيه؛ لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو المرجوح، كما وقع لأبي السنابل، حيث أفتى سُبيعة أنها لا تحلّ بالوضع؛ لكونه خطبها، فمنعته، ورجا أنها إذا قبلت ذلك منه، وانتظرت مضيّ المدّة حضر أهلها، فرغّبوها في زواجه، دون غيره، كما سيأتي في رواية أبي سلمة أنه خطبها رجلان: أحدهما شابّ، والآخر كهل، فحطّت إلى الشابّ، فقال الكهل -هو أبو السنابل-: لم تحلل، وكان أهلها غَيَبًا، فرجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها".

(ومنها): ما كان في سُبيعة - رضي اللَّه تعالى عنها - من الشهامة والفطنة، حيث تردّدت فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع، وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتي، أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النصّ في تلك المسألة. قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: ولعلّ ما وقع من أبي السنابل من ذلك هو السرّ في إطلاق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه كَذَبَ في الفتوى المذكورة، كما أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -، على أن الخطأ قد يُطلق عليه الكذب، وهو في كلام أهل الحجاز كثير. وحمله بعض العلماء على ظاهره، فقال: إنما كذّبه؛ لأنه كان عالمًا بالقصّة، وأفتى بخلافه، حكاه ابن داود عن الشافعيّ في "شرح المختصر"، وهو بعيد.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله هذا البعض من زلّة الأقلام، بل من الخطأ الفادح، فلا ينبغي أن نقول: إن هذا الصحابيّ مع علمه بحكم اللَّه تعالى أفتى بخلافه؛ لأجل أن ينال شهوته، حاشا للَّه، ثم حاشا للَّه، فالواجب علينا أن نؤول مثل هذا بما لا يتعارض مع منصب الصحبة، فنقول: إن الكذب معناه هنا الخطأ، أي أخطأ في هذه الفتوى، لظنه الحكم كذلك، فليُتنبّه. واللَّه الهادي إلى سواء السبيل.

(ومنها): أن فيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم. (ومنها): مباشرة المرأة بنفسها السؤال عفا ينزل بها، ولو كان مما تَستحي النساء من مثله، لكن خروجها من منزلها ليلاً يكون أستر لها، كما فعلت سُبيعة. (ومنها): أن الحامل تنقضي عدّتها بالوضع على أيّ صفة كان، من مضغة، أو علقة، سواء استبان خلق الآدميّ، أم لا؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - رتّب الحلّ على الوضع من غير تفصيل. وتوقّف ابن دقيق العيد فيه من جهة أن الغالب في إطلاق