للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قبلهما، ثم لم يمهلوا ما تناولته الآية الثانية من العموم، لكن قصروه على من مضت عليها المدّة، ولم تضع، فكان تخصيص بعض العموم أولى، وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من إلغاء أحدهما في حقّ بعض من شمله العموم. قال القرطبيّ: هذا حسنٌ، فإن الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول. لكن حديث سبيعة نصٌّ بأنها تحلّ بوضع الحمل، فكان فيه بيان للمراد بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} أنه في حقّ من لم تضع، وإلى ذلك أشار ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - بقوله: "إن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة". وفهم بعضهم منه أنه يرى نسخ الأولى بالأخيرة، وليس ذلك مراده، وإنما يعني أنها مخصّصة لها، فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها.

وقال ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: لولا حديث سُبيعة لكان القول ما قال عليّ، وابن عبّاس - رضي الله عنهم -؛ لأنهما عدّتان مجتمعتان بصفتين، وقد اجتمعتا في الحامل المتوفّى عنها زوجها، فلا تخرج من عدّتها إلا بيقين، واليقين آخر الأجلين انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور، من العمل بحديث سُبيعة - رضي اللَّه تعالى عنها -، فإذا وضعت الحامل حملها بعد وفاة زوجها، فقد انقضت عدّتها، سواء كان قريبًا من وفاته، ولو لحظة، أو بعيدًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم فيما تنقضي بوضعه العدّة، من الحمل: قال العلامة ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما ملخّصه: إذا ألقت المرأة بعد فرقة زوجها، أو موته شيئًا لم يخلُ من خمسة أحوال:

[أحدها]: أن تضع ما بان فيه خلق الآدميّ، من الرأس، واليد، والرجل، فهذا تنقضي به العدّة بلا خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أن عدّة المرأة تنقضي بالسقط، إذا عُلم أنه ولد، وممن نحفظ عنه ذلك: الحسن، وابن سيرين، وشُريح، والشعبيّ، والنخعيّ، والزهريّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، ومالكٌ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق. قال: وذلك لأنه إذا بان فيه شيء من خلق الآدميّ عُلم أنه حملٌ، فيدخل تحت قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

[الحال الثاني]: أن تلقي نطفة، أو دمًا، لا تدري، هل هو ما يُخلق منه الآدميّ، أو لا؟، فهذا لا يتعلّق به شيء من الأحكام؛ لأنه لم يثبت أنه ولدٌ، لا بالمشاهدة، ولا بالبيّنة.

[الحال الثالث]: أن تلقي مضغة، لم تَبِن فيها الخلقة، فشهدت ثقاتٌ من القوابل أن