عليه، ولم يقل: إذا طهرت، ولا إذا انقطع دمك، فصحّ ما قاله الجمهور. انتهى كلام القرطبيّ، وهو تحقيق حسن جدًّا (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها:
ذهب جمهور العلماء من السلف، وأئمة الفتوى في الأمصار إلى أن الحامل إذا مات عنها زوجها تحلّ بوضع الحمل، وتنقضي عدّة الوفاة.
وخالف في ذلك عليّ - رضي اللَّه عنه -، فقال: تعتدّ آخر الأجلين. ومعناه أنها إن وضعت قبل مضيّ أربعة أشهر وعشر، تربّصت إلى انقضائها, ولا تحلّ بمجرّد الوضع، وإن انقضت المدّة قبل الوضع، تربّصت إلى الوضع. أخرجه سعيد بن منصور، وعبد بن حُميد، عن عليّ - رضي اللَّه عنه - بسند صحيح. وبه قال ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، كما في قصّته مع أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - الآتية في هذا الباب، ويقال: إنه رجع عنه، ويقوّيه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك. وسيأتي في الرواية الآتية -٣٥٤٤ - أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدّتها بالوضع، وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك، وقد ثبت عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - من عدّة طرق أنه كان يوافق الجماعة، حتى كان يقول:"من شاء لاعنته على ذلك".
ويظهر من مجموع الروايات في قصّة سبيعة أن أبا السنابل رجع عن فتواه أوّلاً أنها لا تحلّ حتى تمضي مدّة عدّة الوفاة؛ لأنه قد روى قصّة سبيعة ورد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ما أفتاها أبو السنابل به من أنها لا تحلّ حتى يمضي أربعة أشهر وعشر، ولم يَرِد عن أبي السنابل تصريح في حكمها لو انقضت المدّة قبل الوضع، هل كان يقول بظاهر إطلاقه من انقضاء العدّة، أو لا؟، لكن نقل غير واحد الإجماع على أنها لا تنقضي في هذه الحالة الثانية حتى تضع.
وقد وافق سحنون من المالكيّة عليًّا - رضي اللَّه عنه -، نقله المازريّ وغيره. وهو شذوذ مردود؛ لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع.
والسبب الحامل له الحرص على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما، فقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} عامّ في كلّ من مات عنها زوجها، يشمل الحامل وغيرها، وقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} عامّ أيضًا، يشمل المطلّقة، والمتوفّى عنها، فجمع أؤلئك بين العمومين بقصر الثانية على المطلّقة، بقرينة ذكر عدد المطلّقات، كالآيسة، والصغيرة