للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والرمي (مَا شَاءَتْ، مِنْ طِيبٍ، أَو غَيْرهِ) مما كانت ممنوعة منه في تلك المدّة.

(قَالَ: مَالِكٌ) إمام دار الهجَرة رحمه الَله تعالى، مفسّرًا معنى قوله (تَفْتَضُّ: تَمْسَحُ بِهِ) وفي رواية "الموطّإ": "تمسح به جلدها". قال في "الفتح": وأصل الفضّ الكسر، أي تكسر ما كانت فيه، وتخرج منه بما تفعله بالدابّة. ووقع في رواية النسائيّ: "تقبص" بقاف، ثم موحّدة، ثم مهملة خفيفة، وهي رواية الشافعيّ، والقبص الأخذ بأطراف الأنامل. قال الأصبهانيّ، وابن الأثير: هو كناية عن الإسراع، أي تذهب بعَدْو، وسرعة إلى منزل أبويها؛ لكثرة حيائها؛ لقبح منظرها، أو لشدّة شوقها إلى التزويج؛ لبعد عهدها به. والباء في قوله: "به" سببيّة، والضبط الأول أشهر. قال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض، فذكروا أن المعتدّة، كانت لا تمسّ ماءً، ولا تقدّم ظفرًا، ولا تُزيل شعرًا، ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر، ثم تفتضّ، أي تكسر ما هي فيه من العدّة بطائر تمسح به قبلها، وتنبذه، فلا يكاد يَعيش بعد ما تفتضّ به.

وهذا لا يخالف تفسير مالك، لكنه أخصّ منه؛ لأنه أطلق الجلد، وتبيّن أن المراد به جلد القبل. وقال ابن وهب: معناه أنها تمسح بيدها على الدابّة، وعلى ظهره. وقيل: المراد تمسح به، ثم تفتضّ، أي تغتسل، والافتضاض: الاغتسال بالماء العذب؛ لإزالة الوسخ، وإرادة النقاء، حتى تفسير بيضاء نقية كالفضّة، ومن ثمّ قال الأخفش: معناه تتنظّف، فتنتفي من الوسخ، فتشبه الفضّة في نقائها وبياضها. والغرض بذلك الإشارة إلى إهلاك ما هي فيه، ومن الرمي الانفصال منه بالكلّيّة. انتهى.

(فِي حَدِيثِ مُحَمَّدٍ: قَالَ مَالِكٌ: الْحِفْشُ الْخُصُّ) يعني أن شيخه محمد بن سلمة زاد في روايته تفسير مالك للحفش. وفي رواية يحيى بن يحيى، عن مالك: "والحفش البيت الرديء"، وفي رواية القعنبيّ، عنه:، "الصغير جدًّا". وهما بمعنى، فرداءته لصغره.

و"الحفش" -بكسر المهملة، وسكون الفاء، بعدها شين معجمة-: فسره مالك بالخصّ، وهو -بضمّ الخاء المعجمة، وتشديد الصاد المهملة-: البيت من القصب، والجمع أَخصاص، مثل قُفْل وأَقفال. وفسّره أبو داود في روايته من طريق مالك بالبيت الصغير، وهو أعم مما ذكره المصنّف. وقال الشافعيّ: الحِفش: البيت الذليل الشعث البناء. وقيل: هو شيء من خوص يُشبه القفّة، تجمع فيه المعتدّة متاعها من غزل، أو نحوه. وظاهر سياق القصّة يأبى هذا، ففي الرواية الآتية من طريق يحيى الأنصاريّ، عن حميد بن نافع: "عمدت إلى شرّ بيت لها، فجلست فيه". ولعلّ أصل الحفش ما ذُكر، ثم استعمل في البيت الصغير الحقير على طريق الاستعارة. قاله في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.