والحاصل أن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - بين في كلامه هذا أن ما دلّت عليه هذه الآية من الوصيّة للأزواج، ووجوب العدّة حولًا قد نسخ، فالأول نُسخ بآية الميراث، حيث قال اللَّه تعالى:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} الآية [النساء: ١٢]. والثاني نسخ بأربعة أشهر وعشر، كما قال اللَّه تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} الآية [البقرة: ٢٣٤]. واللَّه تعالى أعلم.
والحديث أخرجه البخاريّ، وتقدّم شرحه، وبيان مسائله في -٦١/ ٣٥٥٨ - واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: مما يناسب هذا الباب البحثُ عن متعة المطلقة، التي أمر اللَّه تعالى بها في قوله:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} الآية [البقرة: ٢٣٦] وفيه مسائل:
(المسألة الأولى): في اختلاف أهل العلم في الأمر المذكور في هذه الآية الكريمة: قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره": حمله ابن عمر، وعليّ بن أبي طالب، والحسن بن أبي الحسن، وسعيد بن جبير، وأبو قلابة، والزهريّ، وقتادة، والضحّاك بن مزاحم على الوجوب.
وحمله أبو عبيدة، ومالك بن أنس، وأصحابه، والقاضي شُريحٌ، وغيرهم على الندب.
تمسّك أهل القول الأول بمقتضى الأمر. وتمسّك أهل القول الثاني بقوله تعالى:{حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، و {عَلَى الْمُتَّقِينَ}، ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين.
والقول الأول أولى؛ لأن عمومات الأمر بالإمتاع في قول:{متّعوهنّ}، وإضافة الإمتاع إليهنّ بلام التمليك في قوله:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} أظهر في الوجوب منه في الندب، وقوله:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} تأكيد لإيجابها؛ لأن كلّ واحد يجب عليه أن يتّقي اللَّه في الإشراك به ومعاصيه؛ وقد قال تعالى في القرآن:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي مال إليه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- من ترجيح القول بالوجوب هو الذي يظهر لي؛ لما ذكره. واللَّه تعالى أعلم بالصواب،