مرّة، وبقي هنا الكلام على ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان معنى القرء الذي أمر اللَّه سبحانه وتعالى المطلّقات أن يتربّصنه، بقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الآية.
(اعلم): أنّ المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- رجّح كون القرء بمعنى الحيض، حيث استدلّ بهذا الحديث، فإنه صريح فيه، حيث قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مرّ قرؤك فلتطهري، قال: ثم صلي ما بين القرء إلى القرء".
فقد صرّح أن القرء هنا هو الحيض، لكن الأصرح في معنى الآية حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - المتقدِّم في "كتاب الطلاق" -١/ ٣٤١٧ - "باب وقت الطلاق للعدّة التي أمر اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أن تُطلّق لها النساء"، حيث قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لعمر بن الخطاب حين طلّق عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - طلق امرأته، وهي حائض، فقال:"مر عبد اللَّه، فليراجعها، ثم يَدَعُها حتى تطهر من حيضتها هذه، ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فإن شاء فليفارقها، قبل أن يجامعها، وإن شاء فليمسكها، فإنها العدّة التي أمر اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، أن تطلق لها النساء".
فإنه أصرح في المعنى المراد من الآية المذكورة، ونحن نذكر -بعون اللَّه سبحانه وتعالى- أقوال العلماء، من اللغويين، والمحدثين، والفقهاء، في هذا المعنى؛ ليتبيّن الأرجح من ذلك، فنقول:
قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: اختلف العلماء في الأقراء، فقال أهل الكوفة: هي الحيض، وهو قول عمر، وعليّ، وابن مسعود، وأبي موسى، ومجاهد، وقتادة، والضحّاك، وعكرمة، والسّدّيّ.
وقال أهل الحجاز: هي الأطهار، وهو قول عائشة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، والزهريّ، وأبان بن عثمان، والشافعيّ.
فمن جعل القرء اسمًا للحيض سماه بذلك؛ لاجتماع الدم في الرحم، ومن جعله اسمًا للطهر؛ فلاجتماعه في البدن، والذي يُحقّق لك هذا الأصل في القرء الوقت، يقال: هبّت الريح لقرئها، وقارئها: أي لوقتها، قال الشاعر [من الوافر]: