وقال قوم: هو مأخوذ من قرء الماء في الحوض، وهو جمعه، ومنه القرآن؛ لاجتماع المعاني، ويقال لاجتماع حروفه. ويقال: ما قرأت الناقة سَلًى قطّ، أي لم تجمع في جوفها؛ وقال عمرو بن كُلثوم:
فكأنّ الرحم يَجمَع الدم وقت الحيض، والجسم يجمعه وقت الطهر. قال أبو عمر ابن عبد البرّ: قول من قال: إن القرء مأخوذ من قولهم: قريت الماء في الحوض ليس بشيء؛ لأن القرء مهموز، وهذا غير مهموز.
قال القرطبيّ: هذا صحيح بنقل أهل اللغة: الجوهريّ وغيره، واسم ذلك الماء قِرًى -بكسر القاف، مقصور-. وقيل: القرء الخروج، إما من طهر إلى حيض، أو من حيض إلى طهر، وعلى هذا قال الشافعيّ في قول: القرء الانتقال من الطهر إلى الحيض، ولا يرى الخروج من الحيض إلى الطهر قرءًا، وكان يلزم بحكم الاشتقاق أن يكون قرءًا، ويكون معنى قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}: أي ثلاثة أدوار، أو ثلاثة انتقالات، والمطلّقة متّصفة بحالتين فقط، فتارة تنتقل من طهر إلى حيض، وتارة من حيض إلى طهر، فيستقيم معنى الكلام، ودلالته على الطهر والحيض جميعًا، فيصير المعنى مشتركًا. ويقال: إذا ثبت أن القرء الانتقال، فخروجها من طهر إلى حيض غير مراد بالآية أصلًا، ولذلك لم يكن الطلاق في الحيض طلاقًا سُنّيًّا، مأمورًا به، وهو الطلاق للعدّة، فإن الطلاق للعدّة ما كان في الطهر، وذلك يدلّ على كون القرء مأخوذًا من الانتقال، فإذا كان الطلاق في الطهر سنيًّا، فتقدير الكلام: فعدّتهنّ ثلاثة انتقالات، فأولها الانتقال من الطهر الذي وقع فيه الطلاق، والذي هو الانتقال من حيض إلى طهر، لم يُجعل قُرءًا؛ لأن اللغة لا تدلّ عليه، ولكن عَرَفْنَا، بدليل آخر، أن اللَّه تعالى لم يُرد الانتقال من حيض إلى طهر، فإذا خرج أحدهما عن أن يكون مرادًا بقي الآخر، وهو الانتقال من الطهر إلى الحيض مرادًا، فعلى هذا عدّتها ثلاثة انتقالات، أولها الطهر، وعلى هذا يمكن استيفاء ثلاثة أقراء كاملة إذا كان الطلاق في حالة الطهر، ولا يكون ذلك حملاً على المجاز بوجه ما. قال إلكيا الطبريّ: وهذا نظر دقيق في غاية الاتجاه لمذهب الشافعيّ، وُيمكن أن نذكر في ذلك سرًّا فهمه من دقائق حِكَمِ الشريعة، وهو أن الانتقال من الطهر إلى الحيض إنما جُعل قرءًا لدلالته على براءة الرحم، فإن