للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العدوّ (وَقَالُوا: لَا جِهَادَ، قدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) -بفتح الهمزة- جمع وِزر -بكسر الواو، وسكون الزاي-: الثِّقْلُ، ومنه وزير الملك؛ لأنه يتحمّل عنه الأثقال: أي انقضى أمر الحرب، وخفّت أثقالها، فلم يبقَ قتال. وقيل في معنى قوله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي إلى أن يضع الأعداء المحاربون أوزارهم، وهو سلاحهم بالهزيمة، أو الموادعة، ويقال: للكُرَاع أوزار، قال الأعشى [من المتقارب]:

وَأَعْدَدتَ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا … رِمَاحًا طِوَالاً وَخَيْلًا ذُكُورَا

وَمِنْ نَسْجِ دَاوُدَ يَحْدِي بِهَا … عَلَى أَثَرِ الْحَيّ عَيْرًا فَعَيْرَا

أفاده القرطبيّ (١).

(فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - بِوَجْهِهِ) حتى يكون خطابه مواجهة؛ لأنه المؤثّر في نفوس المخاطبين (وَقَالَ: "كَذَبُوا) بتخفيف الذال المعجمة (الآنَ الآنَ) منصوب على الظرفيّة، ثم يحتمل أن يكون الأول متعلّقًا بما قبله، أي كذبوا الآن، أي في الوقت الذي تحدّثوا فيه بأنه لا جهاد. ويحتمل أن يكون الثاني تأكيدًا للأول، والعامل فيهما قوله (جَاءَ الْقِتَالُ) أي شرع اللَّه تعالى القتال الآن، فكيف يُرفع عنهم سريعًا. أو المعنى: بل الآن اشتدّ القتال، فإنهم قبل ذلك كانوا في أرضهم، واليوم جاء وقت الخروج إلى الأراضي البعيدة.

(وَلَا يَزَالُ) بالتحتانيّة، وفي نسخة: "تزال" بالفوقانيّة (مِنْ أُمَّتِي، أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ) أي لأجل إظهار الحقّ (ويُزِيغُ اللَّهُ) بضمّ أوّله، من الإزاغة، وهو الإمالة، والغالب استعماله في الميل عن الحقّ إلى الباطل (لَهُم قُلُوبَ أَقْوَامٍ، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ) قال السنديّ: والمراد يميل اللَّه تعالى لهم، أي لأجل قتالهم، وسعادتهم قلوبَ أقوام عن الإيمان إلى الكفر؛ ليقاتلوهم، ويأخذوا مالهم. ويحتمل على بعد أن المراد يميل اللَّه تعالى قلوب أقوام إليهم؛ ليعينوهم على القتال، ويرزق اللَّه تعالى أولئك الأقوام المُعِينين من هؤلاء الأمة بسبب إحسان هؤلاء إلى أولئك. فالمراد بالأمة الرؤساء، وبالأقوام الأتباع، وعلى الأول المراد بالأمة المجاهدون من المؤمنين، وبالأقوام الكفرة. واللَّه تعالى أعلم.

(حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) المراد أن تاتي علاماتها "الكبرى" وذلك طلوع الشمس من مغربها، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا، والريح الطيّبة التي يبعثها اللَّه تعالى في آخر الزمان، تقبض رُوح كلّ مؤمن،


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٩.