للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويبقى شرار الناس، فيتهارجون تهارج الحُمُر (١)، فعليهم تقوم الساعة، كما في الحديث الطويل في "صحيح مسلم" في خبر الدجّال، من "كتاب الفتن".

(وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ) أي ما وعده من قيام الساعة، فيكون العطف على سابقه، من عطف المؤكِّد على المؤكَّد.

(وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) جاء تفسير الخير في حديث آخر عند البخاريّ، وغيره من حديث عروة البارقيّ - رضي اللَّه عنه -: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم". وقوله: "الأجر والمغنم" بدل من "الخير"، أو خبر مبتدإ محذوف، أي هو الأجر والمغنم. ووقع عند مسلم من رواية جرير، عن حُصين، قالوا: بم يا رسول اللَّه؟ قال: "الأجر والمغنم".

والمراد بالخيل هنا ما يُتّخذ للغزو، بأن يُقاتل عليه، أو يُرتبط لأجل ذلك؛ لقوله في الحديث الآتي: "الخيل ثلاثة … " الحديث، فقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد - رضي اللَّه تعالى عنها -، مرفوعًا: "الخيل في نواصيها الخير معقود إلى يوم القيامة، فمن ربطها عُدّةً في سبيل اللَّه، وأنفق عليها احتسابًا، كان شبعها، وجوعها، وريّها، وظمؤها، وأرواثها، وأبوالها فلاحًا في موازينه يوم القيامة … " الحديث.

قال الطيبيّ: يحتمل أن يكون الخير الذي فُسّر بالأجر والمغنم استعارة لظهوره، وملازمته. وخصّ الناصية لرفعة قدرها، وكأنه شبّهه لظهوره بشيء محسوس معقود على مكان مرتفع، فنسب الخير إلى لازم المشبّه به، وذكر الناصية تجريدًا للاستعارة. والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة. قاله الخطّابيّ وغيره. قالوا: ويحتمل أن يكون كَنَى بالناصية عن جميع ذات الفرس، كما يقال: فلانٌ مبارك الناصية. ويبعده لفظ الحديث، فقد روى مسلم من حديث جرير - رضي اللَّه عنه -، قال: رأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يَلْوِي ناصية فرسه بأصبعه، ويقول … " فذكر الحديث. فيحتمل أن تكون الناصية خُصّت بذلك؛ لكونها المقدم منها، إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدو، دون المؤخّر؛ لما فيه من الإشارة إلى الإدبار. ذكره في "الفتح" (٢).

(وَهُوَ يُوحَى إِلَيّ أنِّي مَقْبُوضٌ) يحتمل أن يكون "هو" ضمير راجعًا إلى اللَّه تعالى، و"يوحي" -بكسر الحاء المهملة مبنيًّا للفاعل-: أي يوحي اللَّه سبحانه وتعالى إليَّ بأني سأموت قريبًا. ويحتمل أن يكون ضمير الشأن، و"يوحَى" مبنييًّا للمفعول: أي الشأن أنه يوحى إلّي كوني ميتًا عن قريب. واللَّه تعالى أعلم (غَيْرُ مُلَبَّثِ) برفع "غير" صفة


(١) أي يجامع رجالهم نساءهم علانية مثل الحمار.
(٢) "فتح" ٦/ ١٤٣ - ١٤٤.