للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيه: "إن تكن الطيرة في شيء … " الحديث. و"الطيرة" و"الشؤم" بمعنى واحد.

وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاثة، قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهليّة كانوا يتطيّرون، فنهاهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأعلمهم أن لا طِيَرَة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة.

قال الحافظ: فمشى ابن قتيبة على ظاهره، ويلزم على قوله أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره. قال القرطبيّ: ولا يُظنّ به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضرّ وينفع بذاته، فإن ذلك خطأ، وإنما عَنَى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطيّر به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أُبيح له أن يتركه، ويستبدل به غيره.

وقد وقع عند البخاريّ في "النكاح" في رواية عمر العسقلانيّ -وهو ابن محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر- عن أبيه، عن ابن عمر، بلفظ: "ذكروا الشؤم، فقال: إن كان في شيء ففي" ولمسلم: "إن يك من الشؤم شيء حقّ"، وفي رواية عتبة بن مسلم "إن كان الشؤم في شيء"، وكذا في حديث جابر عند مسلم، -وهي الحديث التالي للنسائيّ هنا -وهو موافق لحديث سهل بن سعد - رضي اللَّه عنه - عند البخاريّ بلفظ: "إن كان في شيء".

وهو يقتضي عدم الجزم بذلك، بخلاف رواية الزهريّ. قال ابن العربيّ: معناه: إن كان خلق اللَّه الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة، فإنما يخلقه في هذه الأشياء. قال المازريّ: مجمل هذه الرواية: إن يكن الشؤم حقًّا، فهذه الثلاث أحقّ به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذا أكثر مما يقع بغيرها.

وجاء عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسيّ في "مسنده" عن محمد بن راشد، عن مكحول، قال: قيل لعائشة: إن أبا هريرة قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الشؤم في ثلاثة"، فقالت: لم يحفظ، إنه دخل، وهو يقول: "قاتل اللَّه اليهود، يقولون: الشؤم في ثلاثة"، فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله.

قال الحافظ: ومكحول لم يسمع من عائشة، فهو منقطع. لكن روى أحمد، وابن خزيمة، والحاكم، من طريق قتادة، عن أبي حسّان: "أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة، فقالا: إن أبا هريرة قال: إن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "الطيرة في الفرس، والمرأة، والدار"، فغضبت غضبًا شديدًا، وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهليّة كانوا يتطيّرون من ذلك" انتهى.

ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك.