للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بثبوت ذلك. وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدّم ذكرها يُبعد هذا التأويل.

قال ابن العربيّ: هذا جواب ساقطٌ؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يُبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بُعث ليعلّمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه انتهى.

وأما ما أخرجه الترمذيّ من حديث حكيم بن معاوية، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "لا شؤم، وقد يكون الْيُمْنُ في المرأة، والدار، والفرس" ففي إسناده ضعف، مع مخالفته للأحاديث الصحيحة.

وقال عبد الرزاق في "مصنّفه" عن معمر: سمعت من يفسّر هذا الحديث، يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير وَلُود، وشؤم الفرس إذا لم يُغزَ عليه، وشؤم الدار جار السوء.

وروى أبو داود في "الطبّ" عن ابن القاسم، عن مالك، أنه سئل عنه؟ فقال: كم من دار سكنها ناسٌ، فهلكوا. قال المازريّ: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى أن قَدَرَ اللَّهِ ربّما اتفق ما يكره عند سكنى الدار، فتصير في ذلك كالسبب، فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعًا.

وقال ابن العربيّ: لم يُرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها، صيانة لاعتقاده عن التعلّق بالباطل.

وقيل: معنى الحديث: أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها، مع كراهة أمرها؛ لملازمتها بالسكنى، والصحبة، ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها؛ ليزول التعذيب.

قال الحافظ: وما أشار إليه ابن العربيّ في تأويل كلام مالك أولى، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم، مع صحّة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادّة، وسدّ الذريعة؛ لئلا يوافق شيء من ذلك القدر، فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى، أو من الطيرة في اعتقاد من نُهي عن اعتقاده، فأُشير إلى اجتناب مثل ذلك. والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلاً أن يبادر إلى التحوّل منها؛ لأنه متى استمرّ فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحّة الطيرة والتشاؤم.

وأما ما رواه أبو داود، وصححه الحاكم، من طريق إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس - رضي اللَّه عنه - قال رجلٌ: يا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، إنا كنّا في دار، كثير فيها عددنا، وأموالنا، فتحوّلنا إلى أخرى، فقلّ فيها ذلك؟ فقال: "ذروها ذميمة"، وأخرج من حديث فروة بن مُسَيك -بالمهملة، مصغّرًا- ما يدلّ على أنه هو السائل، وله شاهد من