للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم إن الذين أجازوا الرهبان شرطوا فيها شروطًا، وذكروا لها صورًا، منها متّفقٌ على جوازها، ومنها متّفقٌ على منعها، ومنها مختلف فيها.

فأما المتّفق عليها، فأن يُخرج الإمام، أو غيره متطوّعًا سَبَقًا، ولا فرس له في الحلبة، فمن سَبَقَ فله ذلك السبَقُ. وأما المتّفق على منعه، فهو أن يُخرج كلّ واحد من المتسابقين سَبَقًا، ويشترط أنه إن سبَقَ أمسك سَبَقَهُ، وأخذ سبق صاحبه، فهذا قمارٌ، فلا يجوز باتفاق، إذا لم يكن بينهما محلِّلٌ، فإن أدخلا بينهما محلِّلًا يكون له السبق، ولا يكون عليه شيءٌ، إن سُبق، فهذه مما اختُلف فيها، فأجازها ابن المسيّب، والشافعيّ، ومالكٌ مرّةً، والمشهور عنه أنه لا يجوز. والصحيح جوازه إن كان المحلّل لا يأمن أن يَسبق؛ لما خرّجه أبو داود، عن سفيان بن حسين، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "من أدخل فرسًا بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق، فليس بقمار، ومن أدخله، وقد أمن أن يسبق، فهو قمار" (١).

وأما إذا لم يكن بينهما محلّلٌ لم يجز؛ لأن مقصودهما المخاطرة، والمقامرة، وهو مذهب الزهريّ، والأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق، وقد حُكي فيها الاتفاق.

فلو كان للوالي أو غيره فرسٌ في الحلبة، فيُخرج سَبَقًا على أنه إن سبق هو حبَسَ سبقه، وإن سُبق أخذ السبق السابق، فاجازها الليث، والشافعيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وهو أحد أقوال مالك؛ لأن الأَسباق على ملك أربابها، وهم فيها على ما شرطوه.

ومنع من ذلك مالكٌ في قول آخر، وبعض أصحابه، وربيعة، والأوزاعيّ، وقالوا: لا يرجع إليه سبقه، وإنما يأكله من حضر إن سبق مخرجه، إن لم يكن مع المتسابقين ثالث.

والمسابقة عقدٌ لازم كالإجارة، فيُشترط في السبق ما يشترط في الأجرة من انتفاء الغرر، والجهالة، ومن شرط جوازها أن تكون الخيل متقاربة في النوع والحال، فمتى جُهل حال أحدها، أو كان مع غير نوعه، كان السبق قمارًا باتفاق انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن المسابقة بلا عوض جائزةٌ، بل مما لا خلاف فيه، كما سبق في كلام ابن قُدامة، وأما بالعوض، فيقتصر على ما في حديث الباب؛ لأنه ذكرها بأداة الحصر؛ فلا ينبغي الزيادة عليها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب،


(١) حديث ضعيف؛ لضعف سفيان بن حسين في الزهريّ.
(٢) "المفهم" ٣/ ٧٠١٧٠٢ "كتاب الجهاد".