للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والفِيَلَة، والمزاريق (١)، والمصارعة، ورفع الحجر؛ ليُعرف الأشدّ، وغير هذا؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان في سفر مع عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، فسابقته على رجلها، فسبقته، قالت: فلما حملت اللحم، سابقته، فسبقني، فقال: "هذه بتلك". رواه أبو داود بإسناد صحيح. وسابق سلمة بن الأكوع - رضي اللَّه عنه - رجلًا من الأنصار بين يدي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في يوم ذي قَرَد. أخرجه مسلم. وصارع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - رُكانة، فصرعه. رواه الترمذيّ (٢). ومرّ بقوم يربَعُون حجرًا -يعني يرفعونه ليعرفوا الأشدّ منهم- فلم يُنكر عليهم (٣). وسائر المسابقة يقاس على هذا.

وأما المسابقة بعوض، فلا تجوز إلا بين الخيل، والإبل، والرمي، قال: وبهذا قال الزهريّ، ومالك، وقال أهل العراق: يجوز ذلك في المسابقة على الأقدام، والمصارعة. قال: ولنا حديث "لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر"، فنفى السبق في غير هذه الثلاثة، ويحتمل أن يراد به نفي الْجُعل، أي لا يجوز الجعل إلا في هذه الثلاثة، ويحتمل أن يراد نفي المسابقة بعوض، فإنه يتعيّن حمل الخبر على أحد الأمرين؛ للإجماع على جواز المسابقة بغير عوض في غير هذه الثلاثة، وعلى كلّ تقدير فالحديث حجة لنا؛ ولأن غير هذه الثلاثة لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إليها، فلم تجز المسابقة عليها بعوض. انتهى المقصود من كلام ابن قدامة ملخّصًا (٤).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وأما المراهنة، فأجازها على الجملة مالكٌ، والشافعيّ في الخفّ، والحافر، والنصل، وذلك على ما يُروى عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا سَبَقَ إلا في خفّ، أو حافر، أو نصل"، على أنه لا يروى هذا الحديث بإسناد صحيح، وهو مع ذلك مشهور عند العلماء، متداولٌ بينهم.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله لا يُروى بإسناد صحيح غير صحيح؛ إذ هو مرويّ متّصل ورجاله ثقات، وقد صححه الأئمة الحفاظ: ابن حبّان، وابن القطّان، وابن دقيق العيد، وابن حجر، وغيرهم، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وقد منع بعض العلماء الرِّهان في كلّ شيء إلا في الخيل؛ لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها. وروي عن عطاء السبق في كلّ شيء جائز، وقد يُؤَؤَّلُ عليه؛ لأن حمله على العموم في كلّ شيء يؤدّي إلى إجازة القمار، وهو محرّم باتفاق.


(١) المزاريق: الرماح القصيرة.
(٢) حديث ضعيفٌ، رواه الترمذيّ، وذكر أن إسناده ليس بقائم.
(٣) رواه أبو عبيد في غريب الحديث ١/ ١٥ - ١٦. ويحتاج إلى النظر في إسناده، واللَّه أعلم.
(٤) "المغني" ١٣/ ٤٠٤ - ٤٠٩. "كتاب السبق والرمي".