للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ستمائة درهم، أو سبعمائة درهم ليس بمال، فيه وصيّة، وروي عنه أنه قال: ألف درهم مالٌ، فيه وصيّة. وقال ابن عبّاس: لا وصيّة في ثمانمائة درهم. وقالت عائشة في امرأة لها أربعة من الولد، ولها ثلاثة آلاف درهم: لا وصية في مالها. وقال إبراهيم النخعيّ: ألف درهم إلى خمسمائة درهم. وقال قتادة في قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} الخير ألف، فما فوقها. وعن عليّ: من ترك مالاً يسيرًا، فليدعه لورثته، فهو أفضل.

وعن عائشة فيمن ترك ثمانمائة لم يترك خيرًا، فلا يوصي، أو نحو هذا من القول. وحكى ابن حزم عن عائشة أنها قالت فيمن ترك أربعمائة دينار: ما في هذا فضل عن ولده. وقال أبو الفرج السرخسيّ من الشافعيّة: إن من قلّ ماله، وكثر عياله يستحبّ أن لا يفوّته عليهم بالوصيّة. والصحيح المعروف عند الشافعيّة استحباب الوصيّة لمن له مالّ مطلقًا انتهى كلام وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وقال العلامة ابن قدامة بعد أن حكى نحو الخلاف المذكور: ما نصّه: والذي يَقْوَى

عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة، فلا تستحبّ الوصيّة؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - علّل المنع من الوصيّة بقوله: "أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة"؟ ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبيّ، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم، كان تركه لهم كعطيّتهم إياه، فيكون ذلك أفضل من الوصيّة لغيرهم، فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلّتهم، وغناهم، وحاجتهم، فلا يتقيّد بقدر من المال. واللَّه أعلم انتهى كلام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- تفصيلٌ حسن جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٦٤٣ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْقَاسِمِ, عَنْ مَالِكٍ, عَنْ نَافِعٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ, لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ, يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ, إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح،- وتقدّموا غير مرّة. و"محمد بن سلمة": هو المراديّ الجمليّ، أبو الحارث المصريّ الثقة، و"ابن القاسم": هو عبد الرحمن الْعُتقيّ المصريّ.

وقوله: "يبيت ليلتين": أصله أن يبيت فيؤوّل بالمصدر، أي ما حقّه بيتوتة ليلتين، إلا


(١) "طرح التثريب" ٦/ ١٨٨ - ١٨٩.
(٢) "المغني" ٨/ ٣٩٢ - ٣٩٣.