للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

عن طلحة بن مصرّف -رحمه اللَّه تعالى-، أنه (قال: سَأَلْتُ) عبد اللَّه (ابْنَ أَبِي أَوْفَى) - رضي اللَّه تعالى عنه - (أَوْصَى رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -؟) بتقدير همزة الاستفهام، أي أأوصى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بشيء؟ (قَالَ) ابن أبي أوفى - رضي اللَّه تعالى عنه - (لَا) هكذا أطلق الجواب، وكأنه فهم أن السؤال وقع عن وصيّة خاصّة، فلذلك ساغ نفيها، لا أنه أراد نفي الوصية مطلقًا؛ لأنه أثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب اللَّه. قاله في "الفتح" (١).

(قُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ) بالبناء للمفعول، أي كيف أوجب اللَّه تعالى (عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ؟) بالرفع على أنه نائب فاعل "كُتِبَ" ولفظ البخاريّ: "كيف كُتب على الناس الوصيّة؟، أو أمروا بالوصيّة؟ ". وهو شكّ من الراوي، هل قال: "كيف كُتب على الناس الوصيّة؟!، أو قال: كيف أُمروا بها؟. زاد البخاري في "فضائل القرآن" من "صحيحه": "ولم يوص". قال في "الفتح": وبذلك يتمّ الاعتراض، أي كيف يؤمر المسلمون بشيء، ولا يفعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟.

قال النوويّ: لعلّ ابن أبي أوفى أراد لم يوص بثلث ماله؛ لأنه لم يترك بعده مالاً، وأما الأرض، فقد سبّلها في حياته، وأما السلاح، والبغلة، ونحو ذلك، فقد أخبر بأنها لا تورث عنه، بل جميع ما يخلفه صدقة، فلم يبق بعد ذلك ما يوصي به من الجهة المالية. وأما الوصايا بغير ذلك، فلم يرد ابن أبي أوفى - رضي اللَّه تعالى عنه - نفيها.

ويحتمل أن يكون المنفيّ وصيّته إلى عليّ بالخلافة، كما وقع التصريح به في حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - الآتي، ويؤيّده ما وقع في رواية الدارميّ، وابن ماجه، وأبي عوانة في آخر هذا الحديث: قال طلحة: فقال هُزَيل بن شُرَحْبيل: أبو بكر كان يتأمّر على وصيّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ودّ أبو بكر أنه كان وجد عهدًا من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فخزم أنفه بخزام. وهُزيل هذا بالزاي مصغّرًا أحد كبار التابعين، ومن ثقات أهل الكوفة. فدلّ هذا على أنه كان في الحديث قرينة تُشعر بتخصيص السؤال بالوصيّه بالخلافة، ونحو ذلك، لا مطلق الوصيّة.

وأخرج ابن حبّان الحديث من طريق ابن عُيينة، عن مالك بن مغول، بلفظ يزيل الإشكال، فقال: "سُئل ابن أبي أوفى، هل أوصى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ قال: ما ترك شيئًا يوصي فيه، قيل: فكيف أُمر الناس بالوصية، ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب اللَّه".

وقال القرطبيّ: استبعاد طلحة واضحٌ؛ لأنه أطلق، فلو أراد شيئًا بعينه لخصّه به،


(١) "فتح" ٦/ ٩. "كتاب الوصايا".