للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالمثلّثة، أو بالموحّدة، وهو شكّ من الراوي، والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلّثة، ومعناه: كثيرٌ بالنسبة إلى ما دونه.

فقوله (الثلثَ) بالنصب على أنه مفعولٌ لفعل مضمر، تقديره: أعط الثلثَ، أو أمض، أو نفّذ، أو نحوها، منصوب على الإغراء: أي الزم الثلثَ، واستبعده القرطبيّ، ويجوز الرفع على أنه فاعل لفعل محذوف، أي يكفي الثلث، وضعّفه القرطبيّ، وفي تضعيفه نظر، أوخبر لمبتدإ محذوف، أي الكافي الثلث، أو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي الثلث كافٍ.

وقوله (والثلث كثير) مبتدأ وخبر، وهو يحتمل أن يكون مسوقًا لبيان الجواز بالثلث، وأن الأولى أن ينقص عنه، ولا يزيد عليه، وهو ما يتبادره الفهم. ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدّق بالثلث هو الأكمل، أي كثيرٌ أجره. ويحتمل أن يكون معناه كثيرٌ غير قليل. قال الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى-. وهذا أولى معانيه. يعني أن الكثرة أمرٌ نسبيّ، وعلى الأول عول ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، كما سيأتي -٣٦٦١ - قوله. لو غضّ الناس إلى الربع؛ لأن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "الثلث والثلث كثير". أفاده في "الفتح" (١).

(إِنَّكَ أَنْ تَترُكَ) بفتح "أَنْ" على التعليل، وبكسرها على الشرطيّة. قال النوويّ: كلاهما صحيح. وقال القرطبيّ: لا معنى للشرط هنا؛ لأنه يصير لا جواب له، ويبقى "خير" لا رافع له. وقال ابن الجوزيّ: سمعناه من رواة الحديث بالكسر، وأنكره شيخنا عبد اللَّه بن أحمد -يعني ابن الخشّاب- وقال: لا يجوز الكسر؛ لأنه لا جواب له؛ لخلوّ لفظ "خير" من الفاء، وغيرها مما اشتُرط في الجواب.

وتُعُقّب بأنه لا مانع من تقديره. وقال ابن مالك: جزاء الشرط قوله: "خير"، أي فهو خيرٌ، وحذفُ الفاءِ جائزٌ، وهو كقراءة طاوس: "ويسألونك عن اليتامى، قل: أَصْلِحْ لهم، خير"، قال: ومن خصّ ذلك بالشعر بَعُدَ عن التحقيق، وضيّق حيث لا تضييق؛ لأنه كثير في الشعر، قليل في غيره. وأشار بذلك إلى ما وقع في الشعر فيما أنشده سيبويه:

مَن يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّه يَشْكُرُهَا … وَالشَّرُّ بِالشَّرُّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ

أي فاللَّه يشكرها، وإلى الرّدّ على من زعم أن ذلك خاصّ بالشعر، قال: ونظيره قوله في حديث اللقطة: "فإن جاء صاحبها، وإلا استمتع بها" بحذف الفاء، وقوله في حديث اللعان: "البيّنة، وإلا حدٌّ في ظهرك" انتهى.


(١) "فتح" ٦/ ١٥ - ١٦.