للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه -، وأخرجه الشيخان أيضًا من حديث ابن عباس - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال في "الفتح": هذا يعتبر من مراسيل الصحابة، وبذلك جزم الإسماعيليّ؛ لأن أبا هريرة - رضي اللَّه عنه - إنما أسلم بالمدينة، وهذه القصّة وقعت بمكّة، وابن عبّاس كان حينئذ إما لم يولد، وإما طفلاً، ويؤيّد الثاني نداء فاطمة، فإنه يُشعر بأنها كانت حينئذ بحيث تخاطب بالأحكام. قال: ويحتمل أن تكون هذه القصّة وقعت مرّتين، لكن الأصل عدم تكرار النزول، وقد صرّح في هذه الرواية بأن ذلك وقع حين نزلت. نعم وقع عند الطبرانيّ من حديث أبي أُمامة، قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ} [الشعراء: ٢١٤] جمع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بني هاشم، ونساءه، وأهله، فقال: يا بني هاشم، اشتروا أنفسكم من النار، واسعَوا في فكاك رقابكم، يا عائشة بنت أبي بكر، يا حفصة بنت عمر، يا أم سلمة"، فذكر حديثًا طويلَا، فهذا إن ثبت دلّ على تعدّد القصّة؛ لأن القصّة الأولى وقعت بمكة؛ لتصريحه في حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - أنه صَعِد الصفا، ولم تكن عائشة، وحفصة، وأم سلمة عنده، ومن أزواجه إلا بالمدينة، فيجوز أن تكون متأخرة عن الأولى، فيمكن أن يحضرها أبو هريرة، وابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - أيضًا، ويُحمل قوله: "لما نزلت … جمع" أي بعد ذلك، لا أن الجمع وقع على الفور، ولعلّه كان نزل أوّلاً: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، فجمع قريشًا، فعمّ، وخصّ، كما سيأتي، ثم نزل ثانيًا: "ورهطك منهم المخلصين"، فخصّ بذلك بني هاشم، ونساءه. واللَّه أعلم (١).

(قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}) زاد في حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - عند الشيخين من طريق عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عنه: "ورهطك منهم المخلصين". وهذه الزيادة وصلها الطبريّ من وجه آخر عن عمرو بن مرّة أنه كان يقرؤها كذلك. قال القرطبيّ: لعل هذه الزيادة كانت قرآنًا، فنُسخت تلاوتها. ثم استشكل ذلك بأن المراد إنذار الكفّار، والمخلص صفة المؤمن. والجواب عن ذلك أنه لا يمتنع عطف الخاص على العامّ، فقوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ} عامّ فيمن آمن منهم، ومن لم يؤمن، ثم عطف عليه الرهط المخلصين، تنويهًا بهم، وتأكيدًا.

(دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - قُرَيْشًا) بصيغة التصغير، هو النضر بن كنانة، ومن لم يلده فليس بقرشيّ. وقيل: قريش، هو فِهْر بن مالك، ومن لم يلده فليس من قريش. نقله السُّهَيليّ وغيره.


(١) "فتح" ٩/ ٤٥٠٠ - ٤٥٠١. "تفسير سورة الشعراء".