(وَإِنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ) وفي رواية البخاريّ في "الوصايا" عن عبد اللَّه بن يوسف، عن مالك:"وأُراها لو تكلّمت تصدّقت"، وهو بضمّ همزة "أُراها"، وفي رواية له في "الجنائز" من وجه آخر، عن هشام بلفظ:"وأظنّها". قال في "الفتح": وهو يُشعر بأن رواية ابن القاسم عن مالك، عند النسائيّ، بلفظ:"وإنها لو تكلّمت" تصحيفٌ، وظاهره أنها لم تتكلّم، فلم تتصدّق، لكن في "الموطّإ" عن سعيد بن عمرو بن شُرَحبيل ابن سعيد بن سعد بن عبادة، عن أبيه، عن جدّه، قال:"خرج سعد بن عبادة مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في بعض مغازيه، وحضرت أمه الوفاة بالمدينة، قيل لها أوصي، فقالت: فيم أوصي؟ المال مال سعد، فتُوفّيت قبل أن يقدم سعد"، فذكر الحديث، فإن أمكن تأويل رواية الباب بأن المراد أنها لم تتكلّم، أي بالصدقة، "ولو تكلّمت لتصدّقت"، أي فكيف أمضي ذلك؟، أو يُحمل على أن سعداً ما عَرَف بما وقع منها، فإن الذي روى هذا الكلام في "الموطإ" هو سعيد بن سعد بن عبادة، أو ولده شُرَحبيل مرسلاً، فعلى التقديرين لم يتّحد راوي الإثبات، وراوي النفي، فيمكن الجمع بينهما بذلك. واللَّه أعلم. انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رواية "الموطّإ" التي ذكرها هي الرواية التالية للمصنّف هنا. وحاصل الجواب أن المراد أنها لم تتكلّم بصدقة شيء معيّن، وإنها لما قيل لها: أوصي، قالت: الوصيّة تعتمد على المال الموصى به، وليس لي ذلك، وإنما هو لسعد، فلما جاء سعد - رضي اللَّه عنه - بعد موتها، وأخبر بما قالت: أراد أن يتصدّق عنها، فسأل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن ذلك، فأمره به.
والحاصل أن دعوى التصحيف في رواية المصنّف غير صحيحة؛ للجمع بين الروايتين بما ذكر. واللَّه تعالى أعلم.
(أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟) وفي الرواية التالية: "هل ينفعها أن أتصدّق عنها؟ "، وفي رواية للبخاريّ:"فهل لها أجرٌ إن تصدّقت عنها؟ "، قال: نعم"، ولبعضهم: "أتصدّق عليها، أو أصرفه على مصلحتها" (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نَعَمْ"، فَتَصَدَّقَ عَنْهَا) وفي الرواية التالية: "فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها، لحائط سمّاه". وفي رواية ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - الآتي في -٣٦٨٢ - "قال: فإن لي مَخْرَفًا، فأُشهدك أني قد تصدّقت به عنها". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسانل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا متّفقٌ عليه.