الصعيد منها بلالٌ الحبشيّ (أَفَيُجزِئُ عَنِّي أن أُعْتِقَهَا عَنْهَا؟، قَالَ:"ائْتِنِي بِهَا") أي ليعرف أهي مؤمنة، أم لا؟، وكأنها كانت أوصت بمؤمنة، أو بسبب يقتضي الإيمان، أو أنه أحبّ أن يُعتق عنها مؤمنة، لا أن الوصيّة بمطلق الرقبة لا تتأدّى إلا بالمؤمنة. قاله السنديّ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد جاء التصريح بالمراد في رواية أبي داود، ولفظه:"أن أمه أوصته أن يُعتق عنها رقبة مؤمنة"، فدلّ على أن الوصيّة كانت مقيّدة بالمؤمنة. واللَّه تعالى أعلم.
(فَأَتَيْتُهُ بَها، فَقَالَ: لَهَا النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَنْ رَبُّكِ؟، قَالَتِ: اللَّهُ) أي ربي اللَّه (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("مَنْ أَنَا؟ "، قَالَتْ: أَنّتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَأَعْتِقْهَا، فَإنَّهَا مُؤمِنَةٌ") قال السنديّ: يفيد أنه لا حاجة في الإيمان إلى البرهان، بل التقليد كاف، وإلا لسألها عن البرهان، وأنه لا يتوقّف على أن يقول: لا إله إلا اللَّه، بل يكفي فيه اعتقاد ربي اللَّه، ومحمد رسول اللَّه، نعم ينبغي أن يُعتبر ذاك إيمانًا، ما لم يظهر منه ما ينافيه، من اعتقاد الشرك. انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث الشريد بن سويد - رضي اللَّه عنه - هذا صحيح.
(المسألة الثانية): في مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-٨/ ٣٦٨٠ - وفي "الكبرى" ٨/ ٦٤٨٠. وأخرجه (د) في "الأيمان والنذور" ٣٢٨٢ (أحمد) في "مسند الكوفيين" ١٨٦٩١. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): مشروعيّة الوصيّة بعتق رقبة. (ومنها): استحباب استشارة أهل الفضل والعلم عند إرادة تنفيذ أمر، أو تركه. (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي اللَّه عنه - من استفسار النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لما يواجههم من أمور دينهم، ودنياهم. (ومنها): أن فيه أن الإيمان لا يعتبر إلا إذا اكتمل بشطريه، وهما الإيمان باللَّه سبحانه تعالى، والإيمان برسالة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإذا آمن الشخص بأحد هذين الشطرين، ولم يؤمن بالآخر، فلا اعتداد بإيمانه. (ومنها): أنه لا يسأل الشخص عن البراهين على الإيمان، بل إذا آمن باللَّه تعالى،