للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذه الحالة نصحه، ونهاه عن الإمارة، وعن ولاية مال الأيتام، وأكّد النصيحة بقوله: "وإني أحبّ لك ما أُحبّ لنفسي"، وغلّظ الوعيد بقوله: "وإنها" أي الإمارة "خزيٌ، وندامة"، أي فضيحةٌ قبيحة على من لم يؤدّ الأمانة حقّها، ولم يَقُم لرعيّته برعايتها، وندامةٌ على من تقلّدها، وعلى تفريطه فيها.

وأما من عدل فيها، وقام بالواجب منها، {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩]، وهو من: السبعة الذين يُظلّهم اللَّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، وقد شهد بصحّة ما قلناه قوله في

الحديث: "إلا من أخذها بحقّها، وأدّى الذي عليه فيها". انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا الحديث أصلٌ عظيمٌ في اجتناب الولايات، لا سيّما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية. وأما الخزي، والندامة، فهو في حقّ من لم يكن أهلاً لها، أو كان أهلاً، ولم يَعدِل فيها، فيُخزيه اللَّه تعالى يوم القيامة، ويَفضَحُهُ، ويَندَم على تفريطه. وأما من كان أهلاً للولاية فيها، فله فضلٌ عظيمٌ، تظاهرت به الأحاديث الصحيحة، كحديث أبى هريرة - رضي اللَّه عنه -، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال. "سبعة يظلهم اللَّه تعالى في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، إمام عَدْلٌ، وشاب نشأ في عبادة اللَّه، ورجل قلبه مُعَلَّقٌ في المساجد، ورجلان تحابا في اللَّه، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف اللَّه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر اللَّه خاليا، ففاضت عيناه". متّفقٌ عليه (٢)، وحديث عبد اللَّه بن عمرو - رضي اللَّه عنهما -، مرفوعّا: "إن المقسطين على منابر من نور، عن يمين الرحمن -عَزَّ وَجَلَّ-، وكلتا يديه يمين، الذين يَعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما وَلُوا". رواه مسلم. وغير ذلك، وإجماع المسلمين منعقدٌ عليه، ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذّره - صلى اللَّه عليه وسلم - منها، وكذا حذّر العلماء، وامتنع منها خلائق من السلف، وصبَرُوا على الأذى حين امتنعوا. انتهى كلام النوويّ بزيادة (٣). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:


(١) "المفهم" ٤/ ٢١ - ٢٢ "كتاب الإمارة والبيعة".
(٢) سيأتي للمصنّف -رحمه اللَّه تعالى- في "كتاب آداب القضاء" برقم ٥٤٠٧. إن شاء اللَّه تعالى.
(٣) "شرح مسلم" ١٢/ ٤١٤ - ٤١٥. "كتاب الإمارة".