طعامه، فيحبس له، حتى يأكله، أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - … " الحديث (فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) وفي نسخة: "على الناس"، أي شقّ عليهم هذا الاجتناب، حيث يلزمهم عزل طعامه عن طعامهم، وهو يتكرّر في اليوم عدّة مرّات، وأيضّا أنه يتسبّب في فساد طعام اليتيم، إذا لم يستعب كله بالأكل (فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} إِلَى قوْلِهِ: {لَأَعْنَتَكُمْ}) رُوي عن ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما -: قال: لو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى مُوبقًا. وقيل:{لَأَعْنَتَكُمْ} لأهلككم. وقيل: لضيّق عليكم وشدّد، ولكنه لم يشأ إلا التسهيل عليكم. وقيل: لكلّفكم ما يشتدّ عليكم أدؤه، وأثّمكم في مخالطتهم، كما فعل بمن كان قبلكم، ولكنه خفّف عنكم. والعَنَتُ: المشقّة (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصح، وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط، ولا يُقبل حديثه إلا
من رواية من روى عنه قبل الاختلاط وأبوكُدينة لم يُذكر في جملة من رووا عنه قبل
الاختلاط؟.
[قلت]: لم يتفرّد به أبو كدينة، بل تابعه عليه عمران بن عيينة، كما في الرواية التاليه، وإسرائيل بن يونس، وهو ممن روى عنه قبل اختلاطه، فقد أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٢٧٨ - ٢٧٩، فقال: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، حدثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: لما نزلت: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الأنعام: ١٥٢] عزلوا أموالهم عن أموال اليتامى، فجعل الطعام يفسُد واللحم يُنتِن، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}، فخالطوهم. قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه، ووافقه الذهبيّ، وهو كما قالا، فإن إسرائيل ممن رووا عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه، وهم ثمانية، وقد ذكرتهم في غير هذا المحلّ من هذا الشرح.
والحاصل أن هذا الحديث صحيح؛ لما ذُكر، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.