سنة" أي مطلها. وفي رواية ابن حبّان من هذا الوجه: "بعد حولين"، ويُجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئًا، فجبر الكسر تارة، وألغاه أخرى، قال: "ثم بدا له، فوهبها لي، فقالت له: لا أرضى حتى تُشهد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: فأخذ بيدي، وأنا غلام"، ولمسلم من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، عن النعمان: "انطلق بي أبي، يحملني إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "، ويجميع بينهما بأنه أخذ بيده، فمشى معه بعض الطريق، وحمله في بعصها لصغر سنّة، أو عبّر عن استتباعه إياه بالحمل.
(غُلَامًا) الأصل فيه الابن الصغير، ويُطلق مجازًا على الرجل باعتبار ما كان عليه، ويُجمع على غِلْمة في القلّة، وعلى غِلمان في الكثرة، والمراد به هنا العبد.
ثمّ إن رواية هذا الباب صريحة في أن الذي أعطى بشير وقده النعمان هو غلام، ووقع في رواية ابن حنان، والطبرانيّ من طريق أبي حّرِيز -بمهملة، وراء، ثم زاي، بوزن عظيم- عن الشعبيّ: "أن النعمان بن بشير، خطب بالكوفة، فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: إن عمرة بنت رواحة نُفست بغلام، وإني سمّيته النعمان، وإنها أبت أن تربّيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال، هو لي، وأنها قالت: أشهِد على ذلك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وفيه قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا أشهد على جور".
وجمع ابن حبّان بين الروايتين بالحمل على واقعتين: إحداهما عند ولادة النعمان، وكانت العطيّة حديقةً، والأخرى بعد أن كبر النعمان، وكانبت العطيّة عبدًا. وهو جمع لا بأس به، إلا أنه يعكُر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فيستشهده على العطيّة الثانية بعد أن قال له في الأولى:"لا أشهد على جَوْر".
وجوّز ابن حبّان أن يكون بشير ظنّ نسخ الحكم. وقال غيره: يحتمل أن يكون حمل الأول على كراهة التنزيه، أو ظنّ أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد؛ لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد.
قال الحافظ: ثم ظهر وجهٌ آخر من الجمع، يسلم من هذا الخدش، ولا يحتاج إلى جواب، وهو أن عمرة لمَاّ امتنعت من تربيته، إلا أن يهب له شيئًا، يخصّه به وهبه الحديقة المذكورة تطييبًا لخاطرها، ثم بدا له، فارتجعها؛ لأنه لم يقبضها منه أحدٌ غيره، فعاودته عمرة في ذلك، فمطلها سنة، أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما، ورضيت عمرة بذلك، إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا، فقالت له: أشهد على ذلك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، تريد بذلك تثبيت العطيّة، وأن تأمن من رجوعه فيها، ويكون مجيئه إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - للإشهاد مرّة واحدةً، وهي الأخيرة، وغاية ما فيه أن بعض الرواة