للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عادة ابن رشد في كتابه المذكور إيضاح مدارك المجتهدين، إلا أن كل مسألة تعددت فيها الدارك وتشعبت عنها الأقوال فالحق في واحد منها قطعا، وهو ما صح برهانه، وقوي مدركه. وقد صح البرهان هنا في المسح على الجوربين، وقوي مدركه بما نقلناه قبل، وننقله بعد، ولذا قال الإمام النووي في حديث صوم ست من شوال في مسلم في رده على الإمام مالك في كراهتها ما مثاله: إذا ثبتت السنة تترك، لترك بعض الناس، أو أكثرهم أو كلهم لها اهـ. وهكذا يقال في المسح على الجوربين ولا يترك بعد ثبوته لخلاف من خالف، ولقياس من قاس لأنه لا اجتهاد في مقابلة نص ونبرأ إلى الله من دفع النصوص بالأقيسة والآراء.

قال الإمام ابن القيم: من لم يقف مع النصوص، فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه، ويقول هذا قياس، ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه عن حكمه، ويقول هذا تخصيص، ومرة يترك النص جملة، ويقول: ليس العمل عليه. أو يقول هذا خلاف القياس، أو خلاف الأصول. ثم قال: ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن، ولا نرى خلاف السنن والآثار إلا عند أصحاب الرأي والقياس، فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به، وكم من أثر درس حكمه بسببه، فالسنن والآثار عند الآرائيين، والقياسيين خاوية على عروشها، معطلة أحكامها، معزولة عن سلطانها، وولايتها، لها الاسم، ولغيرها الحكم، وإلا فلماذا ترك حديث المسح على الجوربين (إلى آخر ما قاله، وعدده فانظره) أي مع أنه ثبت في السنة بل اقتضاه القياس أيضا كما ستراه في كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.