للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَدْ حُفَّتْ) وفي نسخة: "حُجِبت" (بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ, لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ) أي لصعوبة الوصول إليها، حيث حُفّت بالمكاره (قَالَ) سبحانه وتعالى (اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَى النَّارِ, وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا) من السعير، والشرّ المستطير (فَنَظَرَ إِلَيْهَا, فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ (١) بَعْضُهَا بَعْضًا) أي يعلو بعضها على بعض، حتى يأكله، وهو بمعنى الحديث الآخر في "كتاب الكسوف"، حيث قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: ولقد رأيت جهنّم يَحطِم بعضُها بعضا … " (فَرَجَعَ) جبريل - عليه السلام - إلى ربه -عَزَّ وَجَلَّ- (وَعِزَّتِكَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ) أي لما بها من شدة العذاب (فَأَمَرَ) سبحانه وتعالى (بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ) أي أحيطت بالأمور التي تشتهيها النفس، من لذات المعاصي، والمخالفات (فَقَالَ: سبحانه وتعالى لجبريل: ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا, فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ, قَدْ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَرَجَعَ, وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ, لَقَدْ خَشِيتُ, أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ, إِلَّا دَخَلَهَا) قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الظاهر أن جملة "إلا دخلها" حال بتقدير "قد" مستثنى من عموم الأحوال، ولا يخفى أنه لا يُتصوَّر النجاة فيها إذا دخلها، فالاستثناء من قبيل التعليق بالمستحيل، أي لا ينجو منها أحدٌ في حال إلا حال دخوله فيها، وهو مستحيلٌ، فصارت النجاة مستحيلةً، وقد قيل بمثله في قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [الواقعة: ٢٥، ٢٦]، وقوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦] انتهى (٢).

[تنبيه]: هذا الحديث أخرجه البخاريّ في "صحيحه" مختصرًا، فقال في "كتاب الرِّقاق" -٦٤٨٧ - : حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنّة بالمكاره".

فقال في "الفتح": قوله: "حجبت" كذا للجميع في الموضعين، إلا الفرويّ، فقال: "حُفّت" في الموضعين، وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر، عن أبي الزناد، وكذا أخرجه مسلم، والترمذيّ من حديث أنس - رضي اللَّه عنه -. وهو من جوامع كلمه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وبديع بلاغته في ذمّ الشهوات، وإن مالت إليها النفوس، والحضّ على الطاعات، وإن كرهتها النفوس، وشقّ عليها، وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، فأخرج أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن حبّان، والحاكم، من وجه آخر عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، رفعه: "لَما خلق اللَّه الجنّة … ، فذكر حديث الباب، ثم قال: فهذا يفسّر


(١) وفي نسخة: "يتركّب" ولعله تصحيف.
(٢) "شرح السنديّ" ٧/ ٤.