- رضي اللَّه عنهما -: "لأن أحلف باللَّه مائة مرّة، فآثم، خيرٌ من أن أحلف بغيره، فأبرّ".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الحنابلة، والظاهريّة من أنه للتحريم هو الحقّ؛ لتوافق الأدلّة الصحيحة الصريحة على ذلك، كقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا تحلفوا بآبائكم"، وقوله:"من كان حالفًا، فلا يحلف إلا باللَّه"، وقوله:"من حلف بغير اللَّه فقد كفر"، وغير ذلك. واللَّه تعالى أعلم.
وقال ابن عبد البرّ: فيه -يعني حديث الباب- أنه لا يجوز الحلف بغير اللَّه، وهذا أمر مجمع عليه، ثم قال: أجمع العلماء على أن اليمين بغير اللَّه مكروهة، منهيّ عنها, لا يجوز الحلف لأحد بها، واختلفوا في الكفّارة إذا حنث، فأوجبها بعضهم، وأباها بعضهم، وهو الصواب. انتهى.
وقال الشافعيّ: أخشى أن يكون الحلف بغير اللَّه معصيةً، قال أصحابه: أي حرامًا وإثمًا، قالوا: فأشار إلى تردّد فيه، وقال إمام الحرمين: المذهب القطع بأنه ليس بحرام، بل مكروه، ولذا قال النوويّ في "شرح مسلم": هو عند أصحابنا مكروهٌ، وليس بحرام، ويوافقه تبويب الترمذيّ عليه "كراهية الحلف بغير اللَّه".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حمل كلام الترمذي على الكراهة بمعنى خلاف الأولى غير صحيح، بل مراد الترمذي بهذه العبارة التحريم، وعليك أن تتبّع تراجمه بهذه العبارة في كثير من المحرّمات التي لا خلاف في تحريمها تجده واضحًا، وذلك أن السلف لا يطلقون الكراهة إلا على الحرام، وهو الموافق لكتاب اللَّه؛ فإنه سبحانه وتعالى قال- بعد ذكر عدّة محرّمات، من الشرك، والقتل، والزنا، وغيرها -: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}[الإسراء: ٣٨]، وإنما استعمل الكراهة لخلاف الأولى هم متأخرو الفقهاء، فتنبّه لذلك، فإنه مزلّة أقدام. واللَّه تعالى أعلم.
قال وليّ الدين: وقيد ذلك -أي القول بالكراهة- في "شرح الترمذيّ" بالحلف بغير اللات والعزّى، وملّة غير الإسلام، فأما الحلف بنحو هذا فهو حرامٌ، وكأن ذلك لأنها قد عُظمت بالعبادة. وقد قال أصحابنا: إنه لو اعتقد الحالف بالمخلوق في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في اللَّه تعالى كفر، وعلى هذا يُحمل ما روي أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال:"من حلف بغير اللَّه، فقد كفر". انتهى.
فمعظّم اللات والعزى كافرٌ؛ لأن تعظيمها لا يكون إلا للعبادة، بخلاف مُعَظِّم الأنبياء، والملائكة، والكعبة، والآباء، والعلماء، والصالحين، لمعنى غير العبادة، لا تحريم فيه، لكن الحلف به مكروه، أو محرّم على الخلاف في ذلك؛ لورود النهي عنه.
وحكمته أن حقيقة العظمة مختصّة باللَّه تعالى، كما قال تعالى: "الكبرياء ردائي،