(فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا) أي في حلفه على زعمه (فَهُوَ كَمَا قَالَ) قال الحافظ وليّ الدين: أي أخبر بأمر ماض، وعلّق براءته من الإسلام على كذبه في ذلك الإخبار، وكان كاذبًا، فهو كما قال، أي من البراءة من الإسلام، وهو صريحٌ في أن هذا الكلام كفرٌ، وهو ظاهر المعنى، كما لو علّق طلاق زوجته، أو عتق عبده على دخوله الدار في الماضي، وكان قد دخل، نعم لو بني إخباره بذلك على ظنّه أنه كذلك، فينبغي أن لا يكفر؛ لأنه ربط الكفر بأمر يظنّ أنه غير حاصل، فلا خلل في اعتقاده، ولا في لفظه باعتبار ظنّه، ولم يتناول الحديث هذه الصورة عند من يشترط التعمّد في حقيقة الكذب، وأما عند من لا يشترطه، فهو عامّ مخصوص، ويدلّ لذلك قوله في حديث ثابت بن الضّحّاك. "من حلف بملّةٍ غير الإسلام، كاذبًا متعمّدًا، فهو كما قال"، وهو في "الصحيحين" بهذا اللفظ. واللَّه أعلم انتهى كلام وليّ الدين.
وقال في "الفتح": ويحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد، والمبالغة في الوعيد، لا الحكم، وكأنه قال: مستحقّ مثل عذاب من اعتقد ما قال، ونظيره:"من ترك الصلاة، فقد كفر": أي استوجب عقوبة من كفر. وقال ابن المنذر: قوله: "فهو كما قال" ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر، بل المراد أنه كاذب ككذب المعظّم لتلك الجهة. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن يقال بالتفصيل السابق؛ لأن الحديث بمعنى الحديث الماضي، وهو أنه على ظاهره، يكفر به صاحبه إن قاله متعمّدًا معتقدًا البراءة والخروج من الإسلام -عياذا باللَّه تعالى من ذلك- وإلا فهو منكر من القول، وزور، محرّم عليه، وهو عاص بذلك، تجب التوبة عليه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(وَإِنْ كَانَ صَادِقًا) أي في حلفه على زعمه، أعمّ من أن يكون مطابقًا للواقع، أم لا؟ (لم يَعُدْ إِلَى الإسْلَام سَالِمًا) قال وليّ الدين: معناه أنه نقص كمال إسلامه بما صدر منه من هذا اللفظ، قَالَ: ولفظ ابن ماجه: "لم يَعُد إليه الإسلام سالمًا"، قال: واللفظان صحيحان، فنقص هو بتعاطي هذا اللفظ، ونقص إسلامه بذلك، وهذا يدلّ على تحريم هذا اللفظ، ولو كان صادقًا في كلامه. وقد استدلّ به على ذلك الخطّابيّ، فقال: فيه دليلٌ على أن من حلف بالبراءة من الإسلام، فإنه يأثم. وصرّح أيضًا بتحريم ذلك، ووجوب التوبة منه الماورديّ في "الحاوي"، والنوويّ في "الأذكار"، وقال في "شرح مسلم": فيه بيان غلظ تحريم الحلف بملّة، سوى الإسلام، كقوله: هو يهوديٌّ،