حكم القسم الآخر. وقد يقال: إذا كان عن ماضٍ، فقد حقّق الكفر على نفسه، وأما إذا كان على مستقبل، فقد يقع ذلك الأمر، وقد لا يقع، والغالب من حال الآتي بهذا اللفظ أنه إنما يقصد به إبعاد نفسه عن ذلك الأمر بربطه بأمرٍ لا يقع منه، وهذا أقرب، ويوافقه كلام الرافعيّ، حيث قال: إن هذا اللفظ يتضمّن تعظيم الإسلام، وإبعاد النفس عن التهوّد، ثم قال: هذا إذا قصد القائل تبعيد النفس عن ذلك، فأما من قال ذلك على قصد الرضى بالتهوّد، وما في معناه إذا فعل ذلك الفعل، فهو كافر في الحال، وسكت الرافعيّ عن حالة الإطلاق، وهو أن لا يقصد تبعيد النفس عن التهوّد، ولا الرضى به، أو لم يُعلم قصده بموته سريعًا، أو تعذر مراجعته، وقال في ذلك شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنويّ: إن القياس التكفير، إذا عري عن القرائن الحاملة على غيره؛ لأن اللفظ بوضعه يقتضيه، قال: وكلام النوويّ في "الأذكار" يقتضي أنه لا يكفر بذلك، والقياس خلافه. انتهى.
وما ذكره الرافعيّ من أن هذا اللفظ يتضمّن تعظيم الإسلام، وإبعاد النفس عن التهوّد يقتضي أنه لا يحرم الإتيان به، لكن تقدّم عن الخطّابيّ إطلاق الإثم، ولم يفصّل بين الحلف على الماضي، والمستقبل، وصرّح بذلك النوويّ في "الأذكار"، فقال: ويحرم أن يقول: إن فعلت كذا، فأنا يهوديّ، أو نصرانيّ، أو نحو ذلك، فإن قاله، وأراد حقيقة فعله، وخروجه عن الإسلام بذلك صار كافرًا في الحال، وجرت عليه أحكام المرتدّين، وإن لم يُرد ذلك لم يكفر، لكنه ارتكب مُحرَّمًا، فيجب عليه التوبة. وكذا قال ابن الرفعة في "المطّلب": معصية. انتهى كلام وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التفصيل الذي ذكره النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "الأذكار" تفصيلٌ حسنٌ جدًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلتُ، وإليه أنيب".