للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

-بكسر، وتشديد الدال المهملة-وهو مثل الشيء الذي يُضادّه في أموره، ويُنادُّه، أي يخالفه، والمراد أنكم تتّخذون آلهة من دون اللَّه (١) (وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ) أي لأن الواو للتشريك، فيلزم منه تسوية المخلوق بالخالق (وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ) أي تقولون في حلفكم: والكعبة، فالواو واو القسم، و"الكعبة" مجرور به (فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا, أَنْ يَقُولُوا: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) أي ليكون القسم باللَّه، لا بمخلوق سواه (وَيَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شِئْتَ") أي لأن "ثُمّ" للتراخي، فتكون مشيئة العبد بعد مشيئة اللَّه سبحانه وتعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث بُريدة - رضي اللَّه عنه - تعالى هذا صحيح.

(المسألة الثانية): في مواضع ذكر المصنّف له:

أخرجه هنا-٩/ ٣٨٠٠ - وفي "الكبرى" ٩/ ٤٧١٤. وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، لم يُخرجه أحد من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه (أحمد) في "باقي مسند الأنصار" ٢٦٥٥٣. واللَّه تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم الحلف بالكعبة، وهو التحريم، وأنه من الشرك باللَّه تعالى، فإن كان يعتقد ذلك، فهو شرك أكبر، مخرج من الملّة، وإن كان لا يعتقد، فهو من الإشراك في اللفظ، وهو محرّم تجب التوبة منه. (ومنها): أنه يدلّ على أن الشرك جريمة كبرى، معروفة حتى في الأديان المحرّفة، كاليهوديّة، والنصرانيّة، فإنهم يعرفون خطر الشرك، ثم يقعون فيه. (ومنها): أن على طالب الحقّ، ومتّبع الصواب أن يأخذ الحقّ أينما وجده، ولو كان عند غير أهله، كما يقال: الحكمة ضالّة المؤمن، أينما وجدها أخذها، فلا يمنع الإنسان العداوة الشخصيّة، أو الدينيّة، أو غيرها من قبول الحقّ، والإذعان له كيفما كان، وهذا هو المصيبة الطامة عند العوامّ، فإنهم لا يتلقّون الحقّ إلا عند من يعتقدونه، ولو أتاهم غيره بالحق الواضح لا يقبلونه، بل يردّونه، فقول من يعتقدونه؛ قال الشيخ الفلانيّ، أحبّ إليهم من قول من لا يعتقدونه: قال اللَّه تعالى، وقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهذه هي الداهية


(١) راجع "النهاية" ٥/ ٣٥.