(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (عَنِ النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أنه (قَالَ: "لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ) تقدّم البحث عنه مستوفًى في شرح حديث عمر - رضي اللَّه عنه - (وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ) أي الأصنام. قال الفيّوميّ: الطاغوتُ: تاؤها زائدة، وهي مشتقّة من طغا، والطاغوت يُذكّر، ويؤنّث، والاسم الطُّغيان، وهو مجاوزة الحدّ، وكلّ شيء جاوز المقدار والحدَّ في العصيان، فهو طاغ، وأطغيته: جعلته طاغيًا، وطغا السيل: ارتفع حتى جاوز الحدّ في الكثرة، والطاغوت: الشيطان، وهو في تقدير فَعَلُوت بفتح العين، لكن قُدّمت اللام موضع العين، واللامُ واوٌ محرّكةٌ، مفتوحٌ ما قبلها، فقُلبت ألفًا، فبقي في تقدير فَلَعُوت، وهو من الطغيان. قاله الزمخشريّ. انتهى.
ولفظ مسلم: "بالطواغي" بدون التاء، قال النوويّ في "شرحه": قال أهل اللغة، والغريب: الطواغي هي الأصنام، واحدتها طاغية، ومنه هذه "طاغية دوس": أي صنمهم، ومعبودهم، سُمّي باسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته؛ لأنه سبب طغيانهم وكفرهم. وكلّ ما جاوز الحدّ في تعظيم، أو غيره، فقد طغى، فالطغيان المجاوزة للحدّ، ومنه قوله تعالى:{لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} الآية [الحاقّة: ١١]، أي جاوز الحدّ. وقيل: يجوز أن يكون المراد بالطواغي هنا مَنْ طغى من الكفّار، وجاوز القدر المعتاد في الشرِّ، وهم عُظماؤهم. وروي هذا الحديث في غير مسلم: "لا تحلفوا بالطواغيت"، وهو جمع طاغوت، وهو الصنم، ويُطلق على الشيطان أيضًا، ويكون الطاغوت واحدًا، وجمعًا، ومذكّرًا، ومؤنّثًا، قال اللَّه تعالى:{اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} الآية [الزمر: ١٧]، وقال تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} الآية [النساء: ٦٠](١) انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في شرحه لهذا الحديث: ما نصّه: الطواغي: جمع طاغية، كالروابي: جمع رابية، والدوالي: جمع دالية، وهي مأخوذ من الطغيان، وهو الزيادة على الحدّ، ومنه قوله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}، أي زاد. قال: والطواغي، والطواغيت: كلّ معبود سوى اللَّه تعالى. قال: وقد تقرّر أن اليمين بذلك محرّم، وعلى ذلك فلا كفّارة فيه عند الجمهور؛ لأجل الحلف بها, ولا لأجل الحنث فيها، أما الأول؛ فلأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قد قال: "من قال: واللات والعزّى، فليقل: لا إله إلا اللَّه"، ولم يذكر كفّارةً، ولو كانت لوجب تبيينها لتعيّن الحاجة لذلك.