للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على الجوربين في آخر عمره، وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه، ثم قال لعواده: فعلت ما كنت أنهى الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه اهـ. ورجوع أبي حنيفة رضي الله عنه من فضله وانصافه، وللمجتهدين من تغير الاجتهاد والرجوع إلى ما فيه قوة وسداد ما عرف عنهم أجمعين وعد من مناقبهم، ومن أكبر العبر في هذه القصة قصة رجوع الإمام أبي حنيفة أن يرجع إمام، ويصرح برجوعه، ويأبى ألد الخصوم الرجوع، للحق، ولو تلي عليه من البراهين ما يلين له الحديد، ويصدع الجلاميد.

ولا غَرْوَ فالأئمة المجتهدون لهم من اللطف، والكمال ومحاسن الأخلاق، والإنصاف، والاعتراف بالحق ما سارت به الركبان. وليعتبر أيضا بالإمام الشافعي لما رحل من العراق إلى مصر، وأعاد البحث في مذهبه القديم كيف رجع عن كثير من مسائله، وعد ذلك من أسمى فضائله، وسبب ذلك التقوى وإيثار الأخرى فإنها تَزعُ المتقي عن إيثار الهوى والدنيا. وهكذا فعل الإمام أبو حنيفة في رجوعه إلى القول بالمسح على الجوربين. وقد يظن قوم أن التشدد في العزائم ومجافاة الرخص من التقوى، وحاشا لله، كيف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع، والديار، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم". رواه أبو داود. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه". رواه أحمد، والطبراني، وهو حديث صحيح. وعنه - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه" رواه الطبراني بإسناد ضعيف. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته". رواه أحمد، وابن حبان، والبيهقي، عن ابن عمر. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "هلك المتنطعون".