وتقدّم وجهه، وفيه اختلافٌ بين العلماء، سنفصله في المسألة التالية، إن شاء اللَّه
تعالى. (ومنها): أنه يدك على جواز اليمين عند التبرّم. (ومنها): جواز ردّ المسائل المثقل عند تعذّر الإسعاف. (ومنها): مشروعيّة تأديب المسائل إذا لم يتيسّر للمسؤول إعطاؤه بنوع من إغلاظ القول، وذلك أنهم سألوه - صلى اللَّه عليه وسلم - في حال تحقّق فيها أنه لم يكن عنده شيء، فأدّبهم بذلك القول، ثم إنه - صلى اللَّه عليه وسلم - بقي مترقّبًا لما يُسعِف به طَلِبَتَهم، ويجبُرُ به انكسارهم، فلَمّا يسّر اللَّه تعالى عليه ذلك أعطاهم، وجبرهم على مُقتضى كرم خُلُقه الكريم - صلى اللَّه عليه وسلم -. قاله القرطبيّ. (ومنها): أن من حلف على فعل شيء، أو تركه، وكان الحنث خيرًا من التمادي على اليمين، عليه أن يحنث عن يمينه، وتلزمه الكفّارة، وهذا متّفقٌ عليه. (ومنها): أن الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- ترجم لهذا الحديث في "صحيحه" بقوله: "قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، وأراد أن أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى، وهذا مذهب أهل السنَّة؛ خلافًا للمعتزلة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم التكفير قبل الحنث:
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: أجمعوا على أنه لا تجب الكفّارة قبل الحنث، وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث، وعلى أنه لا يجوز تقديمها على اليمين، واختلفوا في جوازها بعد اليمين وقبل الحنث، فجوّزها مالكٌ، والأوزاعيّ، والثوريّ، والشافعيّ، وأربعة عشر صحابيًّا، وجماعات من التابعين، وهو قول جماهير العلماء، لكن قالوا: يستحب كونها بعد الحنث، واستثنى الشافعيّ التكفير بالصوم، فقال: لا يجوز قبل الحنث؛ لأنه عبادة بدنيّة، فلا يجوز تقديمها على وقتها، كالصلاة، وصوم رمضان، وأما التكفير بالمال، فيجوز تقديمه كما يجوز تعجيل الزكاة. واستثنى بعض أصحابنا حنث المعصية، فقال: لا يجوز تقديم كفّارته؛ لأن فيه إعانة على المعصية، والجمهور على إجزائها كغير المعصية.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه، وأشهب المالكيّ: لا يجوز تقديم الكفّارة على الحنث بكل حال. ودليل الجمهور ظواهر هذه الأحاديث، والقياس على تعجيل الزكاة. انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- (١)،
وقال في "الفتح": قال ابن المنذر: رأى ربيعة، والأوزاعيّ، ومالك، والليث، وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفّارة تجزئ قبل الحنث، إلا أن الشافعيّ