"مسند المكثرين" ٤٤٩٦ و ٤٥٦٧ و ٥٠٧٤ و ٦٣٧٨ و ١٠٣٣ (الدارمي) في "النذور والأيمان" ٢٣٤٢. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم الاستثناء في اليمين، وهو أن صاحبه مخيَّرٌ، إن شاء فعل، لكان شاء ترك. (ومنها): أنه لا بدّ أن يكون الاستثناء متّصلاً، إذ مطلقه ينصرف إلى المتّصل، كما هو رأي الجمهور، فلا يعتبر الاستثناء المنفصل؛ إلا بالأمر الضروريّ، كالسعال، والتنفّس، ونحو ذلك، وسيأتي تحقيق الخلاف في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): أن في قوله: "فقال: إن شاء اللَّه" دليلاً على أنه لا بدّ أن يكون الاستثناء قوليًّا، فلا يكفي الاستثناء القلبيّ، وهذا قول عامّة أهل العلم، منهم: الحسن، والنخعيّ، ومالك، والثوريّ، والأوزاعيّ، والليث، والشافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو حنيفة، وابن المنذر. قال ابن قُدامة: لا نعلم لهم مخالفًا؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال:"من حلف، فقال: إن شاء اللَّه"، والقول هو النطق، ولأن اليمين لا تنعقد بالنيّة، فكذلك الاستثناء. وقد رُوي عن أحمد: إن كان مظلومًا، فاستثنى في نفسه رجوت أن يجوز، إذا خاف على نفسه، فهذا في حقّ الخائف على نفسه؛ لأن يمينه غير منعقدة، أو لأنه بمنزلة المتأوّل، وأما في حقّ غيره فلا. انتهى كلام ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى- (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاستثناء في اليمين:
قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: في هذا الحديث دليل على أن اليمين إذا قُرن بها "إن شاء اللَّه" لفظًا منويًا، لم يلزم الوفاء بها, ولا يقع الحنث فيها, ولا خلاف في ذلك، واختلفوا فيما إذا وقع الاستثناء منفصلًا عن اليمين، فالجمهور على أنه لا ينفع الاستثناء حتى يكون متّصلاً به، منويًا معه، أو مع آخر حرف من حروفه، وإليه ذهب مالكٌ، والشافعيّ، والأوزاعيّ، والجمهور، وقد اتفق مالك، والشافعيّ على أن السُّعال، والعطاس، وما أشبه ذلك لا يكون قاطعًا إذا كان ناويًا له. وقال بعض المالكيّة: لا ينفع الاستثناء إلا أن ينويه قبل نطقه بجميع حروف اليمين، وعند هؤلاء أن السكوت المختار الذي يقطع به كلامه، أو يأخذ في غيره لا ينفع معه الاستثناء.
وكان الحسن، وطاوس، وجاعة من التابعين يرون للحالف الاستثناء ما لم يقم من