مجلسه. وقال قتادة: ما لم يقم، أو يتكلّم. وعن عطاء: قدر حَلْبة ناقة. وعن سعيد بن جُبير بعد أربعة أشهر. وروي عن ابن عبّاس بعد سنة. وقد أُنكرت هذه الرواية عنه، وضُعْفت، وتأوّلها بعضهم بأن له أن يستثني امتثالاً لأمر اللَّه تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] لا لحلّ اليمين.
وإلى هذه الاختلافات أشار السيوطي -رحمه اللَّه تعالى- في "الكوكب الساطع" في "مبحث التخصيص"، حيث قال:
فَمِنْهَا الاسْتِثنَاءُ الاخْرَاجُ بِمَا … يُفِيدُهُ مِنْ واحدٍ تَكَلَّمَا
وَقِيلَ مُطْلَقًا وَوَصْلُهُ وَجَبْ … عُرْفًا وَلِلْفَصْلِ ابْنُ عَباسٍ ذَهَبْ
قِيلَ لِشَهرٍ وَلعَامٍ وَالأَبَدْ … وَسَنَتَيْنِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَرَدْ
وَابْنُ جُبَيْرٍ ثُلْثَ عَامٍ يَأْتَسِي … وَعَنْ عَطَا وَحَسَنٍ فِي الْمَجلِسِ
وَقِيلَ قَبْلَ الأَخْذِ فِي كَلَامِ … وَقِيلَ إنْ يَقْصِدُهُ فِي الْكَلَامِ
وَقِيلَ فِي كَلَامِهِ جَلَّ فَقَط … وَالْقَصْدَ مَنْ رَأَى اتِّصَالَهُ شَرَطْ (١)
قال القرطبيّ: والصحيح الأول، إن شاء اللَّه؛ لأنه لو لم يُشتَرط الاتصال لما انعقد يمين، ولا تُصُوّر عليها ندم، ولا حِنْث، ولا احتيج للكفّارة فيها، وكل ذلك حاصل بالاتّفاق، فاشتراط الاتصال صحيح.
وقد احتجّ من قال بفصل الاستثناء بما أخرجه الشيخان، ويأتي للمصنّف -٤٠/ ٣٨٥٧ - إن سليمان - عليه السلام - لَمّا حلف، قال له صاحبه: قل: إن شاء اللَّه، ووجه الاستدلال به أنه إنما عرض عليه الاستثناء بعد فراغه من اليمين، فلو قالها بعد فراغ قول صاحبه لكان قولها غير متّصل باليمين، ومع ذلك فلو قالها لكانت تنفع، ولم يَحنَث، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لو قال: إن شاء اللَّه لم يحنث".
وأجاب المشترطون للاتصال بمنع أنه قاله بعد فراغه من اليمين، بل لعلّه قال ذلك في أضعاف يمينه؛ لأن يمينه كثرت كلماتها، فطالت، وليس ذلك الاحتمال بأولى من هذا، فلا حجةٌ فيه، لا له، ولا عليه.
واحتجّوا أيضًا بما رواه أبو داود عن عكرمة مولى ابن عبّاس: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "واللَّه لأغزونّ قريشًا، واللَّه لأغزونّ قريشًا، واللَّه لأغزونّ قريشًا"، ثم قال: "إن شاء اللَّه"، وفي رواية: ثم سكت، ثم قال: "إن شاء اللَّه".
(١) راجع "الكوكب الساطع" نسخة شرحي "الجليل الصالح النافع" ص ١٨٤.