قال أبو داود: زاد الوليد بن مسلم، عن شريك:"ثم لم يغزهم".
لكن الحديث مرسل، وقد أُسند من حديث عبد الواحد بن صفوان، وليس حديثه بشيء (١)، على ما قاله أهل الحديث، والمرسل هو الصحيح.
قال القرطبيّ: وهذا الحديث حجة ظاهرةٌ على جواز الفصل بالسكوت اليسير، وأن ذلك القدر ليس بقاطع؛ لأن الحال شاهدة على الاتصال، لكن عند من يقبل المرسل. ويحتمل أن يكون ذلك السكوت عن غلبة نَفّسٍ خارج، أو أمر طارئ، وفيه بُعْدٌ.
قال القرطبيّ: ثم اختلف العلماء في الاستثناء بميشئة اللَّه تعالى، هل يرفع حكم الطلاق، والْعَتَاق، والمشي لمكة، وغيرها من الأيمان بغير اللَّه تعالى، أم لا؟ فذهب مالك، والأوزاعيّ إلى أن ذلك لا يرفع شيئًا من ذلك. وذهب الكوفيّون، والشافعيّ، وأبوثور، وبعض السلف إلى أنه يرفع ذلك كله. وقصر الحسن الرفع على العتق، والطلاق خاصّة.
وسبب الخلاف اختلافهم في معنى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث الباب:"من حلف على يمين، فاستثنى، فان شاء مضى، وإن شاء ترك"، فحمل مالك، ومن قال بقوله الحديث على اليمين الجائزة، وهي اليمين بأسماء اللَّه وصفاته، بناء على أنه هو المقصود الأصليّ، واليمين العرفيّ، وحمله المخالف على العموم في كلّ ما يمكن أن يقال عليه يمين.
قال القرطبيّ: والصحيح الأول؛ لما قدّمناه من أن هذا النوع الذي قد أطلق عليه الفقهاء يمينا، لا يُسمّى يمينًا، لا لغةً، ولا شرعًا؛ إذ ليس من ألفاظها اللغويّة، ولا من معانيها الشرعيّة، كما بينّاه. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-، وهو تحقيق نفيس. واللَّه تعالى أعلم ..
وقال في "الفتح": واتفق العلماء، كما حكاه ابن المنذر على أن شرط الحكم بالاستثناء أن يتلفظ المستثنى به، وأنه لا يكفي القصد إليه بغير لفظ. وذكر عياضٌ أن بعض المتأخّرين منهم خرّج من قول مالك: إن اليمين تنعقد بالنية أن الاستثناء يجزئ بالنية، لكن نقل في "التهذيب" أن مالكًا نصّ على اشتراط التلفّظ باليمين. وأجاب الباجيّ بالفرق بأن اليمين عقد، والاستثناء حل، والعقد أبلغ من الحل، فلا يلتحق باليمين.
قال ابن المنذر: واختلفوا في وقته، فالأكثر على أنه يشترط أن يتّصل بالحلف، قال مالك: إذا سكت، أو قطع كلامه فلا ثُنيا. وقال الشافعيّ: يُشترط وصل الاستثناء
(١) هذا الكلام لابن معين، وقال مرة: صالح. وذكره ابن حبّان في "الثقات"، وقال في "التقريب": مقبول. أي يحتاج إلى متابع، وخالف فوصل المرسل، فلا يصحّ حديثه. فتنبّه.