للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عجمًا، فتلقّنوا هذا الاسم عنهم، فغيّره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى التجارة التي هي من الأسماء العربية، وذلك معنى قوله: (فسمّانا باسم هو أحسن منه. وقد تدعو العرب التاجر أيضًا: "الرِّقاحي"، والترقيح في كلامهم: إصلاح المعيشة (١). انتهى كلام الخطّابيّ (٢).

(فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -, وَنَحْنُ نَبِيعُ) جملة حاليةٌ، أي حال كوننا بائعين (فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ خَيْرٌ) وفي نسخة: "أحسن" (مِنِ اسْمِنَا) أي لكونه من الأسماء العربيّة، كما تقدّم في كلام الخطّابيّ (فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ) -بضمّ، فتشديد، أو كسر، وتخفيف (إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ الْحَلِفُ) -بفتح، فكسر، أو بفتح، فسكون -أي إكثار الحلف، أو الكاذب منه (وَالْكَذِبُ، فَشُوبُوا) بضمّ الشين، أمر من الشوب، بمعنى الخلط.

وإنما أمرهم بذلك ليكون كفّارة لما يجري بينهم من الكذب وغيره، والمراد بها صدقة، غير معينة، حسب تضاعيف الآثام.

واستدلّ به المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- على أن الحلف الكاذب بلا قصد لا كفّارة فيه، إذ لم يأمرهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالكفارة المعلومة في الحلف بعينها، ويؤيّد ذلك ما يُفهم من الرواية الآتية بلفظ: "يخالطها اللغو والكذب"، حيث جاء اللغو فيها موضع الحلف. أفاده السنديّ (بَيْعَكُمْ) بالنصب على المفعوليّة (بِالصَّدَقَةِ) فإنها تُطفئ غضب الربّ.

قال الخطّابيّ: وقد احتجّ بهذا الحديث بعض أهل الظاهر ممن لا يرى الزكاة في أموال التجارة، وزعم أنه لو كان تجب فيها صدقة كما يجب في سائر الأموال الظاهرة لأمرهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بها, ولم يقتصر على قوله: "فشوبوه بالصدقة، أو بشيء من الصدقة".

قال: وليس فيما ذكروه دليل على ما ادّعوه؛ لأنه إنما أمرهم في هذا الحديث بشيء من الصدقة، غير معلومة المقدار في تضاعيف الأيام، ومرّ الأوقات؛ ليكون كفّارة عن اللغو والحلف، فأما الصدقة المقدّرة التي هي ربع العشر الواجبة عند تمام الحول، فقد وقع البيان فيها من غير هذه الجهة. وقد روى سمرة بن جندب - رضي اللَّه عنه - أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يأمرهم أن يخرجوا الصدقة عن الأموال التي يعدّونها للببع، وقد ذكره أبو داود في "كتاب الزكاة"، ثم هو عمل الأمة، وإجماع أهل العلم، فلا يُعدّ قول هؤلاء معهم خلافًا. انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث سمرة - رضي اللَّه عنه - المذكور ضعيف؛ لأن في سنده


(١) قال في "اللسان": وترقّح لعياله: كسَت، وطلب، واحتال، والرَّقَاحي: التاجر القائم على ماله المصلح له، والرَّقَاحة: الكسب، والتجارة. انتهى.
(٢) "معالم السنن" ٥/ ٣.
(٣) "معالم السنن" ٥/ ٣ - ٤.