للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمعنى أنهم يُحبّون التوسّع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن. قال ابن التين: المراد ذم محبته، وتعاطيه، لا من تخلّق بذلك. وقيل: المراد يظهر فيهم كثرة المال. وقيل: المراد أنهم يتسمّنون، أي يتكثّرون بما ليس فيهم، ويدّعون ما ليس لهم من الشرف. ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادًا. وقد رواه الترمذيّ من طريق هلال بن يساف، عن عمران بن حُصين - رضي اللَّه عنه - بلفظ: "ثم يجيء قوم يتسمّنون، ويُحبّون السِّمَن"، وهو ظاهر في تعاطي السِّمَن على حقيقته، فهو أولى ما حُمِل عليه خبر الباب، وإنما كان مذمومًا؛ لأن السمين غالباً بليد اللهم، ثقيلٌ عن العبادة، كما هو مشهور. قاله في "الفتح" (١).

وفي حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند مسلم: "ثم يخلُفُ قومٌ يُحبْون السَّمَانةَ، يشهدون قبل أن يُستشهدوا". قال النوويّ: السمانة بفتح السين هي السِّمَن، قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسمن هنا كثرة اللحم، ومعناه أنه يكثُر ذلك فيهم، وليس معناه أن يتمحّضوا سمانًا، قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خلقَة، فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسّع في المأكول، والمشروب زائدًا على المعتاد. انتهى (٢).

وفي حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه - عند الشيخين: "ثم يجيء قوم، تسبِق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". قال في "الفتح": أي في حالين، وليس المراد أن ذلك يقع في حالة واحدة؛ لأنه دورٌ، كالذي يَحرص على ترويج شهادة، فيحلف على صحّتها ليُقوّيها، فتارة يحلف قبل أن يشهد، وتارة يشهد قبل أن يحلف. ويحتمل أن يقع ذلك في حالة واحدة، عند من يُجيز الحلف في الشهادة، فيريد أن يشهد، ويحلف. وقال ابن الجوزيّ: المراد أنهم لا يتورّعون، ويَستهينون بأمر الشهادة واليمين. وقال ابن بطّال: يُستدلّ به على أن الحلف في الشهادة يُبطلها، قال: وحكى ابن شعبان في "الزاهي": من قال: أشهد باللَّه أن لفلان على فلان كذا، لم تقبل شهادته؛ لأنه حلف، وليس بشهادة. قال ابن بطال: والمعروف عن مالك خلافه. انتهى (٣).

(قَالَ: أبُو عَبْد الرَّحْمَنِ) النسائيّ -رحمه اللَّه تعالى- (هَذَا) الراوي عن زهدم بن مضرّب (نَصْرُ ابْنُ عِمْرَانَ، أَبُو جَمْرَةَ) بالجيم، والراء. وإنما نصّ عليه لئلا يشتبه بأبي حمزة


(١) "فتح" ٥/ ٥٨٩ "كتاب الشهادات".
(٢) "شرح مسلم" ١٦/ ٣٠٣ "كتاب فضائل الصحابة".
(٣) "فتح" ٥/ ٥٩٠. "كتاب الشهادات".