للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح" بعد ما ذكر أن القصّة كانت بالجعرانة لَمّا رجعوا من حُنين: ما نصّه: ويستفاد منه الردّ على من زعم أن اعتكاف عمر - رضي اللَّه عنه - كان قبل المنع من الصيام في الليل؛ لأن غزوة حنين متأخّرة عن ذلك. انتهى (١).

(أنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ لَيلَةٌ) بالرفع اسم "كان"، والجاز والمجرور خبرها مقدّمًا، وقوله (نَذَرَ) جملةٌ في محلّ رفع صفة لـ "اليلة" والعائد محذوف، أي نذرها.

قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: يحتج به من يُجيز الاعتكاف بالليل، وبغير صوم، ولا حجة له فيه؛ لأنه قد قال في الرواية الأخرى: "أنه نذر أن يعتكف يومًا"، والقصّة واحدة، فدلّ مجموع الراويتين على أنه نذر يومًا وليلةً، غير أنه أفرد أحدهما بالذكر لدلالته على الآخر من حيث إنهما تلازما في الفعل، ولهذا قال مالكٌ: إن أقلّ الاعتكاف يومٌ وليلة، فلو نذر أحدهما لزمه تكميله بالآخر، ولو سلّمنا أنه لم يجىء لليوم ذكرٌ لما كان في تخصيص الليلة بالذكر حجة؛ لإمكان حمل ذلك الاعتكاف على المجاورة؛ فإنها تُسمّى اعتكافًا لغةً، وهي تصحّ بالليل والنهار، وبصوم، وبغير صوم. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "أن أعتكف ليلةً" استُدلّ به على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن الليل ليس ظرفًا للصوم، فلو كان شرطًا لأمره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - به. وتُعُقّب بأن في رواية شعبة عن عبيد اللَّه عند مسلم: "يومًا" بدل "ليلة"، فجمع ابن حبّان وغيره بين الروايتين بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يومًا أراد بليلته، وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - صريحًا، لكن إسنادها ضعيف، وقد زاد فيها: إن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال له: "اعتكف، وصم". أخرجه أبو داود، والنسائيّ، من طريق عبد اللَّه بن بديل، وهو ضعيف، وذكر ابن عديّ، والدارقطنيّ أنه تفرّد بذلك، عن عمرو بن دينار. ورواية من روى "يوما" شاذّة. وقد وقع في رواية سليمان بن بلال عند البخاريّ: "فاعتَكَفَ ليلةً"، فدلّ على أنه لم يزد على نذره شيئًا، وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يُشترط له حدٌّ معين. انتهى.

(فِي الْجَاهِلِيَّةِ) المراد بالجاهليّة هنا جاهليّة عمر - رضي اللَّه عنه -، وهو ما قبل إسلامه، لا أنه أراد ما قبل بعثة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, لأن جاهليّة كلّ أحد بحسبه، ووهم من قال: الجاهليّة في كلامه زمن فترة النبوّة، والمراد بها هنا ما قبل بعثة نبيّنا - صلى اللَّه عليه وسلم -، فان هذا يتوقّف على النقل، وقد ثبت أنه نذر قبل أن يسلم، وبين البعثة، وإسلامه مدّة. قاله في "الفتح" (٣).


(١) "فتح" ٤/ ٨٠٩ "كتاب الاعتكاف". رقم ٢٠٣٢.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٤٥ - ٦٤٦.
(٣) "فتح" ١٣/ ٤٤٣.