للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ, حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -, فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي, أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي, صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ, فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ", فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ, مُخْتَصَرٌ).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "سليمان بن داود": هو المَهْريّ، أبو الربيع المصريّ. وقوله: "أن أنخلع من مالي" -بنون، وخاء معجمة: أي أَعْرَى من مالي، كما يَعْرَى الإنسان إذا خلع ثوبه. قاله في "الفتح".

قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: قيل: الانخلاع ليس بظاهر في معنى النذر، وإنما هو كفّارة، أو شكرٌ، فلعلّه ذكره في الباب لمشابهته في إيجابه على نفسه ما ليس بواجب لحدوث أمر. قلت (١): لو ظهر الإيجاب لما خفي كونه نذرًا. واللَّه تعالى أعلم. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": ما حاصله: مناسبة حديث كعب - رضي اللَّه عنه - للترجمة أن معنى الترجمة أن من أهدى، أو تصدّق بجميع ماله، إذا تاب من ذنب، أو إذا نذر هل ينفذ ذلك؛ إذا نجّزه، أو علّقه؟ وقصّة كعب منطبقة على الأول، وهو التنجيز، لكن لم يصدر منه تنجيزٌ، كما تقرّر، وإنما استشار، فأُشير عليه بإمساك البعض، فيكون الأولى لمن أراد أن ينجّز التصدّق بجميع ماله، أو يعلّقه أَنْ يمسك بعضه، ولا يلزم من ذلك أنه لو نجّزه لم ينفذ، وقد تقدّمت الإشارة في "كتاب الزكاة" إلى أن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال، فمن كان قويًّا على ذلك، يعلم من نفسه الصبر لم يمنع، وعليه يتنرل فعل أبي بكر الصدّيق - رضي اللَّه عنه -، وإيثار الأنصار على أنفسهم المهاجرين، ولو كان بهم خصاصة، ومن لم يكن كذلك، فلا، وعليه يتنزّل "لا صدقة، إلا عن ظهر غنى"، وفي لفظ: "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى".

قال ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: في حديث كعب - رضي اللَّه عنه - أن للصدقة أثرا في محو الذنوب، ومن ثمّ شُرعت الكفّارة المالية. ونازعه الفاكهاني، فقال: التوبة تجُبّ ما قبلها، وظاهر حال كعب أنه أراد فعل ذلك على جهة الشكر. قال الحافظ: مراد الشيخ يؤخذ من قول كعب - رضي اللَّه عنه -: "إن من توبتي الخ" أن للصدقة أثرًا في قبول التوبة التي يتحقّق بحصولها محو الذنب، والحجة فيه تقرير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - له على القول المذكور. انتهى (٣).

والحديث متّفقٌ عليه، وسبق البحث فيه في الباب الماضي، وبقي البحث فيما يتعلّق


(١) القائل السنديّ.
(٢) "شرح السنديّ" ٧/ ٢٢ - ٢٣.
(٣) "فتح" ١٣/ ٤٣٠ - ٤٣١ "كتاب الإيمان والنذور" رقم ٦٦٩٠.