للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، فأقول:

(مسألة): في اختلاف أهل العلم فيمن نذر أن يتصدّق بجميع ماله:

قال في "الفتح": قد اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدّق بجميع ماله على عشرة مذاهب:

فقال مالك: يلزمه الثلث؛ لهذا الحديث، ونوزع في أن كعب بن مالك - رضي اللَّه عنه - لم يُصرّح بلفظ النذر، ولا بمعناه، بل يحتمل أنه نجّز النذر، ويحتمل أن يكون أراده، فاستأذن، والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه، وإنما الظاهر أنه أراد أن يؤكد أمر توبته بالتصدُّق بجميع ماله شكرًا للَّه تعالى على ما أنعم به عليه.

وقال الفاكهانيّ في "شرح العمدة": كان الأولى بكعب أن يستشير، ولا يستبدّ برأيه، لكن كأنه قامت عنده حال لفرحه بتوبته، ظهر له فيها أن التصدّق بجميع ماله مُستَحَقٌّ عليه في الشكر، فأراد الاستشارة بصيغة الجزم. انتهى. وكأنه أراد أنه استبدّ برأيه في كونه جزم بأن من توبته أن ينخلع من جميع ماله، إلا أنه نجّز ذلك.

وقال ابن المنيّر: لم يبُتَّ كعب الانخلاع، بل استشار، هل يفعل، أو لا؟. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون استفهم، وحُذفت أداة الاستفهام، ومن ثمّ كان الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء لمن التزم أن يتصدّق بجميع ماله، إلا إذا كان على سبيل القربة. وقيل: إن كان مليًّا لزمه، وإن كان فقيرًا فعليه كفّارة يمين. وهذا قول الليث، ووافقه ابن وهب، وزاد: وإن كان متوسّطًا يُخرج قدر زكاة ماله، والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل، وهو قول ربيعة. وعن الشعبيّ، وابن لبابة (١) لا يلزمه شيء أصلاً. وعن قتادة يلزم الغني العشر، والمتوسّط السبع، والمملق الخمس. وقيل: يلزم

الكلّ، إلا في نذر اللجاج، فكفّارة يمين. وعن سحنون يلزمه أن يُخرج ما لا يضرّ به. وعن الثوريّ، والأوزاعيّ، وجماعة يلزمه كفّارة يمين بغير تفصيل. وعن النخعيّ يلزمه الكلّ بغير تفصيل.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الإمام مالك -رحمه اللَّه تعالى- من أن من نذر بجميع ماله يلزمه الثلث أرجح؛ لظاهر قصّة كعب بن مالك - رضي اللَّه عنه -؛ لأنه لما قال: أتصدّق بمالي كلّه، قال له - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يُجزىء عنك الثلث"، فهذا دليلٌ واضحٌ على أن من نذر بجميع ماله يجزيه الثلث. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٨٥٢ - (أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ


(١) هكذا نسخة "الفتح" ولينظر.