للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على من لم يجزم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ: قوله: "قل: إن شاء اللَّه" هذا تذكير له بأن يقول بلسانه، لا أنه غفل عن التفويض إلى اللَّه تعالى بقلبه، فإن ذلك بعيد على الأنبياء - عليهم السلام -، وغير لائق بمناصبهم الرفيعة، ومعارفهم المتوالية، وإنما هذا كما قد اتّفق لنبينا - صلى اللَّه عليه وسلم - لَمّا سُئل عن الروح، والخضر، وذي القرنين، فوعدهم بأن يأتي بالجواب غدًا، جازمًا بما عنده من معرفته باللَّه تعالى، وصدق وعده في تصديقه، وإظهار كلمته، لكنه ذهل عن النطق بكلمة "إن شاء اللَّه"، لا عن التفويض إلى اللَّه تعالى بقلبه، فأُدّب بأن تأخّر الوحي عنه؛ حتى رموه بالتكذيب لأجلها، ثم إن اللَّه تعالى علمه، وأدّبه بقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة حتى في الواجب. وهذا لعلوّ مناصب الأنبياء، وكمال معرفتهم باللَّه تعالى، يناقَشُون، ويُعاتَبون على ما لا يُعاتب عليه غيرهم، كما قد قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في حقّ لوط: "ويرحم اللَّه لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد"، فعتب عليه نطقه بكلمة يسوغ لغيره أن ينطق بها. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

(فَلَمْ يَقُلْ: إن شَاءَ اللَّه) وفي رواية معمر، عن طاوس عند البخاريّ: قال: "ونسي أن يقول: إن شاء اللَّه". والمعنى: أنه لم يقل: إن شاء اللَّه بلسانه، لا أنه أبى أن يفوّض أمره إلى اللَّه سبحانه وتعالى، بل كان ذلك ثابتًا في قلبه، لكنه اكتفى بذلك أوّلًا، ونسي أن يُجريه على لسانه لَمّا قيل له؛ لشيء عرَضَ له.

(فَطَافَ) وفي رواية للبخاريّ: "فأطاف بهنّ، وتقدّم أن طاف، وأطاف بمعنى واحد (عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَلَمْ تَحْمِلْ) بفتح أوله، وكسر ثالثه، من حمل يحمِل، من باب ضرب (مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ) وفي رواية للبخاريّ: "إلا واحدًا ساقطًا أحد شقيه وفي رواية له: "ولدت شِقّ غَلام وفي رواية: "نصف إنسان". قال في "الفتح": وحكى النقّاش في "تفسيره" أن الشقّ المذكور هو الجسد الذي أُلقي على كرسيّه، وقد ثبت عن غير واحد من المفسّرين أن المراد بالجسد المذكور شيطان، وهو المعتمد، والنقّاش صاحب مناكير. انتهى.

(وَايمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (بِيَدِهِ) فيه إثبات اليد للَّه -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله.

[تنبيه]: قوله: (وايم) بكسر الهمزة، وبفتحها، والميم مضمومة. وحكى الأخفش


(١) "فتح" ١٢٨. "كتاب أحاديث الأنبياء".
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٣٧. "كتاب الأيمان والنذور".