للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والثاني غير جائز، ولا منعقد، فلا يلزم به حكم على ما تقدّم. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وأما مسألة شرع من قبلنا شرع لنا، فقد تقدّم في عدّة مواضع أنه الصواب، وأنه مذهب المصنّف، والبخاريّ، ومسلم، وغيرهما، من أهل الحديث، فإنهم يبوّبون في كتبهم بشيء، ثم يوردون دليلاً عليه مما ذكره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - للأنبياء السابقين، أو لأُممهم، مثل ما فعل المصنّف هنا، وكذا الشيخان، وإن كانا ذكرا هنا غيره من الأحاديث، إلا أن المصنّف اكتفى بإيراده فقط، وكذلك فعل كلهم في عدّة مواضع.

والحاصل أن شريعة من قبلنا شريعة لنا بشروط مذكورة في غير هذا المحلّ. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): ما قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: فيه دليلٌ على جواز "لو"، و"لولا" بعد وقوع المقدور، وقد وقع من ذلك مواضع كثيرةٌ في الكتاب والسنّة، وكلام السلف، كقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: ٨٠] وكقوله: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: ٢٥] وكقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لولا حوّاءُ لم تُخن أنثى زوجها الدهر، ولولا بنو إسرائيل لم يخبُث الطعام، ولم يَخنَز اللحم". متفقٌ عليه.

فأما قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا يقولنّ أحدكم: "لو"، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان". رواه مسلم، فمحمولٌ على من يقول ذلك معتمدًا على الأسباب، مُعرضًا عن المقدور، أو متضجرا منه، كما حكاه اللَّه تعالى من قول المنافقين، حيث قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: ١٦٨] ثم ردّ اللَّه قولهم، وبيّن لهم عجزهم، فقال: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: ١٦٨] ولذلك قال - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك الحديث: "المؤمن القويّ خيرٌ، وأحبّ إلى اللَّه من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعن باللَّه، ولا تعجز، ولا تقل: لو كان كذا لكان كذا، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان، قل: ما شاء اللَّه كان، وما شاء فعل". فالواجب عند وقوع المقدور التسليم لأمر اللَّه، وترك الاعتراض على اللَّه، والإعراض عن الالتفات إلى ما فات، فيجوز النطق بـ "لو" عند السلامة من تلك الآفات. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

(ومنها): جواز استعمال الكناية في اللفظ الذي يُستقبح ذكره؛ لقوله: "لأطوفنّ"، بدل قوله: لأُجامعن (٣). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.


(١) "المفهم" ٤/ ٦٣٥.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٣٨ - ٦٣٩.
(٣) راجع "الفتح" ٧/ ١٢٩ - ١٣٠. "كتاب أحاديث الأنبياء" رقم الحديث ٣٤٢٤.