(ومنها): جواز السهو على الأنبياء - عليهم السلام -، وأن ذلك لا يقدَح في علوّ منصبهم. (ومنها): جواز الإخبار عن الشيء أنه سيقع، ومُستَنَدُ المخبِرِ الظنّ، مع وجود القرينة القويّة لذلك. (ومنها): جواز إضمار المقسم به في اليمين؛ لقوله:"لأطوفنّ"، مع قوله - عليه السلام -: "لم يَحنث"، فدلّ على أن اسم اللَّه فيه مقدّرٌ، فإن قال أحدٌ بجواز ذلك، فالحديث حجة له، بناء على أن شرع من قبلنا شرعٌ لنا، إذا ورد على لسان الشارع، وإن وقع الاتّفاق على على عدم الجواز، فيحتاج إلى تأويله، كأن يقال: لعلّ التلفّظ باسم اللَّه وقع في الأصل، وإن لم يقع في الحكاية، وذلك ليس بممتنع، فإن من قال: واللَّه لأطوفنّ، يصدُقُ أنه قال: لأطوفنّ، فإن اللافظ بالمركّب لا فظٌ بالمفرد.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا قال في "الفتح"، أما قوله:"فإن قال أحدٌ بجواز ذلك الخ" فعجيب منه، فإنه ذكر في الفائدة التالية: ما نصّه:
(ومنها): أنه احتجّ به من قال: لا يُشترط التصريح بمقسمم به معيّن، فمن قال: أحلف، أو أشهد، ونحو ذلك، فهو يمين، وهو قول الحنفيّة، وقيّده المالكيّة بالنيّة. وقال بعض الشافعيّة: ليست بيمين مطلقًا. انتهى.
فكيف يقول:"إن قال أحد بجواز ذلك"، مع أنه نسبه إلى الحنفيّة والمالكيّة في كلامه هذا؟. فتأمّل.
ونصّ القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "المفهم": هذا الكلامُ قَسَمٌ، وإن لم يُذكر فيه مقسم به؛ لأن لام "لأطوفنّ" هي التي تدخل على جواب القسم، فكثيرًا ما تَحذف معها العرب المقسم به اكتفاء بدلالتها على المقسم به، لكنها لا تدلّ على مقسم به معيّن، وعلى هذا، ففيه من الفقه ما يدلّ على أن من قال: أحلف، أو أشهد، أو ما أشبه ذلك، مما يُفيد القسم، ونوى بذلك الحلف باللَّه تعالى، كانت يمينًا جائزةً، منعقدةً، وهو مذهب مالك، وقد قال الشافعيّ: لا تكون يمينًا باللَّه تعالى؛ حتى يتلفّظ بالمقسم به، وقال أبو حنيفة: هي يمين أراد بها اليمين باللَّه تعالى، أم لا. وكأن الأولى ما صار إليه مالك؛ لأن ذلك اللفظ صالحٌ وضعًا للقسم باللَّه تعالى، فإذا أراده الحالف لزمه كسائر الألفاظ المقيّدة بالمقاصد من العمومات، والمطلقات، وغير ذلك، وأما إذا لم يرد باللفظ القسم، أو القسم بغير اللَّه تعالى (١)، فلا يلزمه شيء؛ لأن الأول لا يكون يمينًا،
(١) هكذا نسخة "المفهم"، والظاهر أن صواب العبارة: "أو أراد القسم بغير اللَّه تعالى"، بزيادة لفظة "أراد"، فليُحرّر. واللَّه تعالى أعلم.