(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو أنه إذا حلف رجل، ولم يستثن، فقال له آخرُ، مذكّرًا: قل: إن شاء اللَّه، فقال ذلك، هل يكون ذلك استثناء صحيحًا، أم لا؟، والظاهر نعم، وقد تقدّم تقريره في أول الباب.
(ومنها): أن فيه فضل فعل الخير، وتعاطي أسبابه، وأن كثيرًا من المباح، والملاذّ يصير مستحبًّا بالنية والقصد. (ومنها): استحباب الاستثناء لمن قال: سأفعل كذا، وأن إتباع المشيئة اليمين يرفع حكمها، وهو متّفقٌ عليه بشرط الاتصال. (ومنها): أن الاستثناء لا يكون إلا باللفظ، ولا تكفي فيه النيّة، وهو اتفاقْ، إلا ما حُكي عن بعض المالكيّة. (ومنها): ما خُصّ به الأنبياء - عليهم السلام -، من القوّة على الجماع الدّالّ ذلك على صحّة البِنْية، وقوّة الفُحُوليّة، وكمال الرجوليّة، مع ما هم فيه من الاشتغال بالعبادة والعلوم، وقد وقع لنبيّنا - صلى اللَّه عليه وسلم - من ذلك أبلغ المعجزة؛ لأنه مع اشتغاله بعبادة ربّه، وعلومه، ومعالجة الخلق، كان متقللاً من المآكل، والمشارب المقتضية لضعف البدن على كثرة الجماع، ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في ليلة بغسل واحد، وهنّ إحدى عشرة امرأة، وقد تقدّم هذا في "كتاب الغسل". ويقال: إن كلّ من كان أتقى للَّه، فشهوته أشدّ؛ لأن الذي لا يتّقي يتفرّج بالنظر، ونحوه.
(ومنها): ما قاله بعض السلف: نبه - صلى اللَّه عليه وسلم - في هذا الحديث على آفة التمنّي، والإعراض عن التفويض، قال: ولذلك نسي الاستثناء؛ ليمضي فيه القدر.
(ومنها): جواز الإخبار عن الشيء، ووقوعه في المستقبل، بناء على غلبة الظنّ, فإن سليمان - عليه السلام - جزم بما قال، ولم يكن ذلك عن وحي، إلا لوقع. كذا قيل. وقال القرطبيّ: لا يَظُنُّ بسليمان - عليه السلام - أنه قطع بذلك على ربّه، إلا من جهِلَ حالَ الأنبياء، وأدبهم مع اللَّه تعالى. وقال ابن الجوزيّ:[فإن قيل]: من أين لسليمان - عليه السلام - أن يُخلق من مائه هذا العدد في ليلة؟ لا جائز أن يكون بوحي؛ لأنه ما وقع، ولا جائز أن يكون الأمر في ذلك إليه؛ لأن الإرادة للَّه. [والجواب]: أنه من جنس التمنّي على اللَّه، والسؤال له أن يفعل، والقسم عليه، كقول أنس بن النضر - رضي اللَّه عنه -: "واللَّه لا تكسر سنّها". ويحتمل أن يكون لَمّا أجاب اللَّه دعوته أن يهب له ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، كان هذا عنده من جملة ذلك، فجزم به. وأقرب الاحتمالات ما ذكرته أوّلًا، وباللَّه التوفيق.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون أُوحي إليه بذلك مقيّدًا بشرط الاستثناء، فنسي الاستثناء، فلم يقع ذلك؛ لفقدان الشرط، ومن ثَم ساغ له أوّلًا أن يحلف. وأبعد من