للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على ما عُلم من حديثه في موضع آخر.

ومن هذا القسم إذا نذر فعل مكروه، كطلاق امرأته، فإنه مكروه، بدليل قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أبغض الحلال إلى اللَّه الطلاق" (١). فالمستحبّ أن لا يفي، ويكفّر، فإن وفى بنذره، فلا كفّارة عليه، والخلاف فيه كالذي قبله.

(القسم السادس): نذر الواجب، كالصلاة المكتوبة، فقال أصحابنا: لا ينعقد نذره، وهو قول أصحاب الشافعيّ؛ لأن النذر التزامٌ، ولا. يصحّ التزام ما هو لازم له. ويحتمل أن ينعقد نذره موجبًا كفّارة يمين إن تركه، كما لو حلف على فعله، فإن النذر كاليمين، وقد سمّاه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يمينًا، وكذلك لو نذر معصية.، أو مباحًا، لو يلزمه، ويكفّر إذا لم يفعله.

(القسم السابع): نذر المستحيل، كصوم أمس، فهذا لا ينعقد، ولا يوجب شيئًا؛ لأنه لا يُتصوّر انعقاده، ولا الوفاء به، ولو حلف على فعله لن تلزمه كفّارة، فالنذر أولى.

وعقدُ الباب في صحيح المذهب أن النذر كاليمين، وموجبه موجبها، إلا في لزوم الوفاء به، إذا كان قربةً، وأمكنه فعله، ودليل هذا الأصل قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لأخت عقبة لَمّا نذرت المشي، فلم تطقه: "ولتكفّر يمينها" (٢)، وفي رواية: "فلتصم ثلاثة أيام"، قال أحمد: إليه أذهب. وعن عقبة - رضي اللَّه عنه - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "كفّارة النذر كفّارة اليمين". أخرجه مسلم. وقول ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - للتي نذرت ذبح ولدها: "كفّري يمينك" (٣). ولأنه قد ثبت أن حكمه حكم اليمين في أحد أقسامه، وهو نذر اللجاج، فكذلك سائره في سوى ما استثناه الشرع. انتهى كلام ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى- (٤)، وإنما نقلته بطوله؛ لاستيفائه معظم أقوال أهل العلم بأدلتها في هذه الأقسام السبعة. واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "الفتح" في الكلام على حديث: "لا نذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم،: ما حاصله: اختُلف فيمن وقع منه النذر في ذلك، هل تجب فيه كفّارة؟، فقال الجمهور: لا، وعن أحمد، والثوريّ، واسحاق، وبعض الشافعيّة: نعم، ونقل


(١) رواه أبو داود، وابن ماجه، وهو حديث ضعيف، ومنهم من حسّنه لطرقه.
(٢) تقدّم أنه ضعيف بلفظ: "ولتكفّر عن يمينها"، وكذا "فلتصم ثلاثة أيام"، وإنما الصحيح بلفظ: "ولتهد هديًا"، و"لتهد بدنة".
(٣) موقوف صحيح.
(٤) "المغني" ١٣/ ٦٢٢ - ٦٢٩.