للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْكَ, يَوْمَ كَذَا, مِنْ شَهْرِ كَذَا, مِنْ سَنَةِ كَذَا, فَصَارَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي يَدِي, لَكَ لَا مِلْكَ لِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ, وَلَا دَعْوَى, وَلَا طَلِبَةَ, إِلاَّ هَذِهِ الْمُزَارَعَةَ الْمَوْصُوفَةَ, فِي هَذَا الْكِتَابِ, فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُسَمَّاةِ فِيهِ, فَإِذَا انْقَضَتْ, فَذَلِكَ كُلُّهُ مَرْدُودٌ إِلَيْكَ, وَإِلَى يَدِكَ, وَلَكَ أَنْ تُخْرِجَنِي بَعْدَ انْقِضَائِهَا مِنْهَا, وَتُخْرِجَهَا مِنْ يَدِي, وَيَدِ كُلِّ مَنْ صَارَتْ لَهُ فِيهَا يَدٌ بِسَبَبِي, أَقَرَّ فُلَانٌ, وَفُلَانٌ, وَكُتِبَ هَذَا الْكِتَابُ نُسْخَتَيْنِ).

شرح كلام المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-:

(قَالَ: أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ) النسائيّ -رحمه اللَّه تعالى- (كِتَابَةُ مُزَارَعَةٍ) خبر لمحذوف، أي هذه صفة كتابة مزارعة (عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ) متعلق بصفة "مُزارعة" أي كائنة على أن البذر. و"البذر" بفتح الموحّدة، وسكون الذال المعجمة هو في الأصل مصدر بذر، لكن المراد هنا: الحَبّ المبذور. قال الفيّوميّ: بذَرت الحبّ، من باب قتل: إذا ألقيته في الأرض للزراعة، والبذر المبذورُ، إما تسمية بالمصدر، وإما فَعْلٌ بمعنى مفعولٍ، مثلُ ضَرْبِ الأمير، ونَسْج اليمن. قال بعضهم: البَذْرُ في الحبوب كالحنطة، والشعير، والْبِزْرُ في الرَّيَاحين، والْبُقُولِ، وهذا هو المشهور في الاستعمال، ونُقِل عن الخليل: كلُّ حَبّ يُبْذَرُ فهو بَذْرٌ، وبِزْرٌ. انتهى.

(وَالنَّفَقَةَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ) يعني أن ما يُبذر في تلك الأرض من البذر، وما يُنفق عليها يكون على صاحب الأرض، لا على المزارع.

[تنبيه]: هذه الصفة التي ذكرها المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهي أن يكون البذر على صاحب الأرض، والعمل على المزارع جائزة عند من يُجيز المزارعة، وأما إذا شُرط البذر على المزارع، فقد اختلفوا فيه، كما بيّنه أبو محمد ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-، فقال: ظاهر المذهب أن المزارعة إنما تصحّ إذا كان البذر من رب الأرض، والعمل من العامل، نصِّ عليه أحمد في رواية جماعة، واختاره عامّة الأصحاب، وهو مذهب ابن سيرين، والشافعيّ، وإسحاق؛ لأنه عقد يشترك العامل، وربّ المال في نمائه، فوجب أن يكون رأس المال كلُّهُ من عند أحدهما، كالمساقاة، والمضاربة. وقد رُوي عن أحمد ما يدلّ على أن البذر يجوز أن يكون من العامل، فإنه قال في رواية مُهَنَّا في الرجل يكون له الأرض، فيها نخلٌ، وشجرٌ، يدفعها إلى قوم يزرعون الأرض، ويقومون على الشجر على أن له النصفَ، ولهم النصف: فلا بأس بذلك، وقد دفع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خيبر على هذا، فأجاز دفع الأرض لزرعها من غير ذكر البذر، فعلى هذا أيهما أخرج البذر جاز.

ورُوي ذلك عن عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه عنه -، وهو قول أبي يوسف، وطائفة من أهل الحديث، وهو الصحيح، إن شاء اللَّه تعالى.