وروي عن سعد، وابن مسعود، وابن عمر - رضي اللَّه عنهم - أن البذر من العامل، ولعلّهم أرادوا أنه يجوز أن يكون من العامل، فيكون كقول عمر - رضي اللَّه عنه -، ولا يكون قولاً ثالثًا.
والدليل على صحّة ما ذكرنا قول ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -: دفع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى يهود خيبر نخل خيبر، وأرضها، على أن يعملوها من أموالهم، ولرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - شطر ثمرها، وفي لفظ: على أن يعملوها، ويزرعوها, ولهم شطر ما يَخرُج منها. أخرجهما البخاريّ. فجعل عملها من أموالهم، وزرعَهَا عليهم، ولم يذكر شيئًا آخر، وظاهره أن البذر من أهل خيبر، والأصل المعوّل عليه في المزارعة قصّة خيبر، ولم يذكر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن البذر على المسلمين، ولو كان شرطًا لما أخلّ بذكره، ولو فعله النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأصحابه لنُقِل، ولم يجز الإخلال بنقله.
ولأن عمر - صلى اللَّه عليه وسلم - فعل الأمرين جميعًا، فإن البخاريّ روى عنه أنه عامل الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده، فله الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا. فظاهر هذا أن ذلك اشتهر، فلم يُنكَر عليه، فكان إجماعًا.
[فإن قلت]: فهذا بمنزلة بيعتين في بيعة، فكيف يفعله عمر - رضي اللَّه عنه -؟.
[قلنا]: يحتمل أنه قال ذلك ليُخيّرهم في أيّ العقدين شاؤوا، فمن اختار عقدًا عقده معه معيّنًا، كما لو قال في البيع: إن شئت بعتكه بعشرة صحاح، وإن شئت بأحد عشر مكسّرة، فاختار أحدهما، فعقد البيع معه عليه معيّنًا.
ويجوز أن يكون مجيئه بالبذر، أو شروعه في العمل بغير بذر، مع إقرار عمر - رضي اللَّه عنه - له على ذلك، وعلمه به، جرى مجرى العقد، ولهذا رُوي عن أحمد صحّة الإجارة فيما إذا قال: إن خطته رُوميًّا، فلك درهم، وإن خطته فارسيًّا ذلك نصف درهم.
قال: وما ذكره أصحابنا من القياس يُخالف ظاهر النصّ، والإجماع اللذين ذكرناهما، فكيف يُعمل به؟، ثم هو منتقضٌ بما إذا اشترك مالان، وبدن صاحب أحدهما. انتهى كلام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي صحّحه ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى- من جواز كون البذر من صاحب الأرض، أو العامل، هو الصواب، لظاهر حديث قصّة خيبر المتقدّم، كما ذكره. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(وَلِلْمُزَارعِ رُبُعُ) بضمتين، وتسكن الثانية تخفيفًا (مَا يُخْرِجُ) بضمّ أوله مبنيًّا للفاعل من الإخراج رباعيّا (اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْهَا).